المنافقون وقالوا : إنّما خلّفه محمّد بالمدينة ، لبغضه له وملاله منه ، وما أراد بذلك إلّا أن يتنبّه المنافقون فيقتلوه.
فاتصل ذلك برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ. فقال عليّ ـ عليه السّلام ـ : أتسمع ما يقولون ، يا رسول الله؟
فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ : ما يكفيك أنّك جلدة ما بين عينيّ ، ونور بصري ، وكالرّوح في بدني؟
ثمّ سار رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بأصحابه ، وأقام عليّ ـ عليه السّلام ـ بالمدينة. فكان كلّما دبر المنافقون أن يوقعوا بالمسلمين ، فزعوا من عليّ ـ عليه السّلام ـ وخافوا أن يقوم معه عليهم من يدفعهم عن ذلك. وجعلوا يقولون فيما بينهم : هي كرّة محمّد التي لا يؤوب منها.
ثمّ ذكر ـ عليه السّلام ـ قصّة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ مع أكيدر ، وأخذه له ، وصلحه معه ـ على ما مرّ ذكره ـ.
ثمّ قال : وعاد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ غانما ظافرا ، وأبطل الله كيد المنافقين. وأمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بإحراق مسجد الضرار. فأنزل الله ـ تعالى ـ (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً) (الآيات). أبا عامر الراهب كان عجل هذه الأمّة ، كعجل قوم موسى. وأنه دمّر الله عليه ، وأصابه بقولنج وبرص وفالج ولقوة. وبقي أربعين صباحا في أشدّ العذاب ، ثمّ صار إلى عذاب الله.
(لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً) ، أي : لا تصلّ فيه أبدا. يقال : فلان يقوم باللّيل ، أي : يصلي.
(لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) : من أيام وجوده.
و «من» يعمّ الزّمان والمكان ، كقوله :
لمن الدّيار بقنّة (١) الحجر |
|
أقوين من حجج ومن دهر |
وفي الكافي (٢) : عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد بن عيسى ، عن الحلبيّ ، عن أبي عبد الله ـ عليه السّلام ـ قال : سألته عن المسجد الّذي أسّس
__________________
(١) قنّة كلّ شيء : أعلاه.
(٢) الكافي ٣ / ٢٩٦ ، ح ٢.