ـ رضي الله عنه ـ قال : تمسّينا ليلة عند أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ عليه السّلام ـ.
فقال لنا : ليس من عبد امتحن الله قلبه بالإيمان ، إلّا أصبح يجد مودّتنا على قلبه. ولا أصبح عبد ممّن سخط الله عليه ، إلّا يجد بغضنا على قلبه. فأصبحنا نفرح بحبّ المحبّ لنا ، ونعرف بغض المبغض لنا. وأصبح محبنا مغتبطا بحبنا ، برحمة من الله ينتظرها كلّ يوم. وأصبح مبغضنا يؤسّس بنيانه على شفا جرف هار ، فكأنّ ذلك الشّفا قد انهار به في نار جهنّم ، وكأنّ أبواب الرّحمة قد فتحت لأصحاب الرّحمة (١). فهنيئا لأصحاب الرّحمة رحمتهم ، وتعسا لأصحاب النّار مثواهم.
(لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا) : بناؤهم الّذي بنوه. مصدر ، أريد به المفعول ، وليس بجمع ، ولذلك قد تدخله التّاء. ووصف بالمفرد ، واخبر عنه بقوله : (رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ) ، أي : شكّا ونفاقا.
والمعنى : أنّ بناءهم هذا لا يزال سبب شكّهم وتزايد نفاقهم ، فإنّه حملهم على ذلك. ثمّ لما هدمه الرّسول ـ صلّى الله عليه وآله ـ رسخ ذلك في قلوبهم وازداد ، بحيث لا يزول وسمه عن قلوبهم.
(إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ) : قطعا ، بحيث لا يبقى لها قابليّة الإدراك والإضمار.
وهو في غاية المبالغة والاستثناء من أعمّ الأزمنة.
وقيل (٢) : المراد بالتقطع : ما هو كائن بالقتل ، أو في القبر ، أو في النّار.
وقيل (٣) : التّقطع بالتّوبة ، ندما وأسفا.
وقرأ (٤) يعقوب : «إلى» بحرف الانتهاء. «وتقطّع» ، بمعنى : تتقطّع. وهو قراءة ابن عامر وحمزة وحفص.
وقرئ (٥) : «يقطع» بالياء. و «تقطع» بالتّخفيف. و «تقطع قلوبهم» على خطاب الرّسول ، أو كلّ مخاطب. و «لو تقطعت» على البناء للفاعل أو المفعول.
وفي الجوامع (٦) : عن الصّادق ـ عليه السّلام ـ أنه قرأ : «إلى أن تقطّع».
__________________
(١) كذا في المصدر. وفي النسخ : لأهل اصحاب الرّحمة.
(٢ و ٣ و ٤) ـ أنوار التنزيل ١ / ٤٣٣.
(٥) نفس المصدر والموضع.
(٦) الجوامع / ١٨٧ بتصرّف.