على جملة ، فتصورهما في القول هو الظن أو العلم ، والعبارة عنهما باللسان : هو القول. ومن ذلك قول القائل : هو قول فلان ، ومذهب فلان.
فإذا قلت أتقول زيدا منطلقا ، فإنما تريد أن تستفهمه عن ظنه لأن أكثر ما يقول الإنسان لمخاطبه أتقول كذا وكذا؟ وما تقول في كذا؟ وهو إنما يريد به ما تعتقد ، وإلى أيش تذهب؟
ألا ترى أنك لو قلت لفقيه : ما تقول في تحريم المسكر؟ فقال لك أنا أقول بتحريم القليل منه لكان معناه : أعتقد هذا وأذهب إليه : وكثر هذا المعنى فأجروه مجرى الظن.
فإذا قالوا للمخاطب : أيقول زيد عمرو منطلق؟ حكوا لأنه لم يكن أن يستفهم (المخاطب) عن ظن غيره.
فجعله سيبويه بمنزلة تشبيه أهل الحجاز" ما" بليس ، ما لم تغير عن وجهها في نفي خبرها وتأخره ، فإذا غيرت عن هذا ، لم تقو قوة ليس في العمل ، كما لم يقو القول ـ في غير استفهام المخاطب ـ أن يعمل عمل الظن ، لأنه لم يكثر ككثرته فرجع إلى القياس.
وأنشد للكميت :
* أجهالا تقول بني لؤي |
|
لعمر أبيك أم متجاهلينا (١) |
فأعمل تقول عمل الظن.
وأنشد لعمر بن أبي ربيعة :
* أما الرحيل فدون بعد غد |
|
فمتى تقول الدار تجمعنا؟ (٢) |
فنصب الدار بتقول. وتجمعنا في موضع مفعول ثان.
قال : " وإن شئت رفعت بما نصبت وجعلته حكاية"
يعني إن شئت حكيت بعد القول في الاستفهام ولم تجعله في مذهب الظن وغلطه أبو عثمان في قوله" وإن شئت رفعت بما نصبت" فقال الرفع بالابتداء والخبر ، والنصب بالفعل على معنى الظن.
فقال المحتج عن سيبويه : إن هذا لا يذهب على من هو دون سيبويه وإنما أراد : وإن شئت رفعت في الموضع الذي نصبت ولم يعرض لذكر العامل كما : زيد بالبصرة ، إنما تريد في البصرة.
وقد يجوز أن يكون المعنى : وإن شئت رفعت بما نصبت ، والباء زائدة كما قال عز وجل : (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) أي تنبت الدهن.
__________________
(١) ديوان الكميت ٣ / ٣٩ ، شرح الأعلم ١ / ٦٣ ، المقتضب ٢ / ٣٤٨ ، شرح النحاس ٩٤.
(٢) ديوانه ٣٩٤ ، شرح الأعلم ١ / ٦٣ ، المقتضب ٢ / ٣٤٩ ، شرح النحاس ٩٥.