وكقول الشاعر :
* سود المحاجر لا يقرأن بالسور (١)
يريد : لا يقرأن السور.
(وإن شئت رفعت بالقول على الحكاية كما نصبت على معنى الظن ، فسميه رافعا وإن لم يعمل شيئا لأنه علة لارتفاع ما بعده على المبتدأ لحكاية المبتدأ ونقله على ما كان عليه ، فسماه رافعا مجازا ، كما يقال : في الحروف الملغاة المبتدأ ما بعدها : حروف الرفع ، والحروف التي ترفع ما بعدها بالابتداء والخبر كقولك : إنما زيد منطلق ، وكأنما عمرو ، وما أشبهه).
قوله : " وهو في أين ومتى أحسن إذا قلت : متى ظنك زيد ذاهب" إلى قوله" كما ضعف غير ذي شك زيد ذاهب وحقا عمرو منطلق"
اعلم أن سيبويه قد أجاز في هذا الموضع إلغاء الظن ، وقد تقدم المفعولين إذا كان قبل الظن شيء متصل بالمفعول الثاني ، فأجاز : متى تظن عمرو منطلق؟ ومتى ظنك زيد ذاهب؟ فزيد مبتدأ ، وذاهب خبره ومتى ظرف للذهاب.
وقد رد ذلك أبو العباس وغيره ، وقال : هذا نقض الباب لأنه قدم أظن وألغاه.
فقال المحتج عن سيبويه : أنه إنما شرط أن يتقدم الفعل وليس قبله شيء في صلة ما بعده ، فإذا تقدم شيء مما بعده قبل أن يأتي بفعل الشك ، فقد مضى ذلك اللفظ على غير الشك فجاز فيه الإلغاء كما جاز في أين تظن زيد ، إذا تقدم الخبر.
وقوله : " كما ضعف غير ذي شك زيد ذاهب وحقا عمرو منطلق"
اعلم أن" حقا" وغير ذي شك وما جرى مجراهما تؤكد بهن الجمل وتحقق ، ولا يأتين مبتدآت إذا أردت ذلك المعنى لأنك إذا قلت زيد منطلق حقّا فقد وكدت إخبارك بانطلاقه ، وكأنك قلت : أحق ذلك حقا لأن إخبارك بالجملة ظاهرها يدل على أنك تخبر بما يحققه و (ما) هو صحيح عندك فلا يقدم هذا التأكيد ، فضعف تقديم الظن كضعف تقديم هذا لأنه نقضه وكذلك غير ذي شك لأنه في معنى حقا.
قوله : " فإنما يضعف هذا إذا ألغيت ، لأن الظن يلغي في مواضع أظن" إلى قوله" ولفظك بذاك أحسن من لفظك بظني"
يعني أنه ضعف : عبد الله أظنه منطلق ، لأن الظن قد ألغي والمصدر تأكيد ، فكره أن يؤتى بتأكيد شيء قد ألغي.
قوله : " ألا ترى" أنك" لو قلت : زيد ظني منطلق ، لم يجز أن تضع ذاك في موضع ظني"
__________________
(١) شرح السيرافي ٢ / ٦٤٠ ، مغني اللبيب ١ / ٩٢ ، شواهده ١ / ٣٤ ـ ١١٦.