يريد أن ظني أدل على أظن من ذلك ، فلذلك صار ذاك أبعد من التأكيد ، ألا ترى أنك (تقول) زيد ظني منطلق ، ولا تقول : زيد ذاك منطلق.
قال" وسألت عن أيهم ، لم لم يقولوا : أيهم مررت به"؟
إن قال قائل : لم لم يختر النصب وهو استفهام كما اختير في قولك أزيدا ضربته؟
قيل له : لأنا إذا قلنا : أزيدا ضربته؟ فحرف الاستفهام منفصل من زيد وهو أولى بالفعل ، فأضمرنا بينه وبين زيد فعلا ينصبه.
و "أيهم" لم يدخل عليه حرف" وإنما صيغ لفظه للاستفهام ، ولم يكن فيه حرف هو أولى بالفعل فصار بمنزلة زيد ضربته في الاختيار.
(وفرق سيبويه بين قولهم : أيهم زيدا ضرب؟ ومن زيدا ضربه؟ وبين قولك أيهم زيدا ضربته؟ فأجاز تقديم الاسم على الفعل في" أي" و" من" ولم يجزه في متى وأين إلا في الشعر.
والذي أوجب الفرق بينهما أن "أيا" و "من" بمنزلة حرف الاستفهام مع الاسم غير الظرف ، فكما يجوز : أزيد عمرا ضربه؟ وهل زيد عمرا ضربه؟ يجوز : أيهم زيد ضربه؟ ومن زيدا ضربه؟
وكما لا يجوز في الكلام : هل يوم الجمعة زيدا ضربته؟ وهل في الدار عمرا ضربته؟ لم يجز فيه : متى زيدا ضربته؟ ولا (أين زيدا) ضربته؟ لأن الظرف لا يفصل لتأخره في المعنى ، فكأنك قلت : هل زيدا ضربته يوم الجمعة؟ وهل عمرا ضربته في الدار؟
وأما قولك : هل زيدا عمرا ضرب؟ فزيد في موضعه لا ينوي به التأخير وما بعده من الجملة خبر عنه ، وبعد الفعل من حرف الاستفهام لاعتراض الاسمين بينه وبينه فجاز لذلك).
هذا الباب من الاستفهام يكون الاسم فيه رفعا
وذلك قولك" زيد كم مرة رأيته"
اعلم أنك إذا ابتدأت اسما وأتيت بعده بجملة مصدرة بحرف الاستفهام فيها فعل ناصب لضمير الاسم المبتدأ ، فلا يصلح نصب ذلك الاسم بإضمار فعل آخر لأن ما بعد حرف الاستفهام لا يكون مفسرا لفعل قبله ، كما لا يكون عاملا في اسم قبله ، وتفسير ذلك أنك لو نزعت ضمير زيد من رأيته ، فقلت :
زيدا كم مرة رأيت؟ لم يجز لأن الاستفهام لا يعمل ما بعده فيما قبله ، فكذلك لا يكون ما بعده تفسيرا لما قبله.
قال : " وإذا كان الفعل في موضع الصفة فهو كذلك"
يعني أن الصفة لا تعمل فيه قبل الموصوف ، لأنها من تمام الموصوف كالصلة من الموصول ، فكذلك لا يعمل المضاف إليه فيما قبل المضاف لأنه من تمام المضاف ، وكذا