تقدير سيبويه وغيره من شارحي الكتاب.
واضطرهم إلى تقدير هذا الإضمار أن الفاء (مع ما بعدها لا تكون خبرا) عن زيد ، فكما لا يقال : زيد فمنطلق ، لا يقال : زيد فاضربه على ابتداء والخبر.
والقول عندي أنه كلام لا إضمار فيه (وذلك) في باب الأمر دون باب الخبر. لأنه لفظ ابتداء وخبر لا معنى ابتداء وخبر ، ذلك أن معنى قولك : زيد فاضربه ، كمعنى : زيدا فاضربه بالنصب ، وهما منقولان من قولك : اضرب زيدا.
فلما تقدمت المفعول على الفاعل للاهتمام به كما نقدمه في الخبر ، ثم شغلت الفعل عنه بضميره ، جاز لك أن ترفعه كما ترفعه في الخبر إذا قلت زيد ضربته ، فجرى على لفظ المرفوع ، وإن كان معناه معنى المنصوب ، فلم تمتنع الفاء من دخولها فيما بعدها ـ مرفوعا ـ لا تمتنع من دخولها عليه منصوبا. ولو جاز في (قولك) زيدا فضربت ، وزيد فضربته بالرفع ، كما جاز زيد لا ضربه ، لجواز : زيدا فاضربه بالنصب ، فدخول الفاء على هذا كدخولها في قولك : أما زيد فضربته ، تراجع المعنى ضربته ، ثم دخلت الفاء في الخبر لما حدث في الكلام من معنى الشرط بدخول" أما" وصارت الفاء كما ترى معترضة بين المبتدأ والخبر كما اعترضت بين المفعول والفعل في قولك : أما زيدا فضربته فهذا بين إن شاء الله.
ومجاز الآيات التي استشهد بها سيبويه ـ رحمه الله ـ بما أجمع القراء على رفع الاسم فيه مع إتيان الفاء في خبره ، وكذلك ما استشهد به من الأبيات على هذا فتدبره تجده مستمرا في بابه شائعا إن شاء الله.
قال الشاعر
* وقائلة : خولان فانكح فتاتهم |
|
وأكرومة الحيين خلوكما هيا (١) |
أرادك هذه خولان فلذلك أدخل الفاء.
ومعنى" أكرومة الحيين خلوكما هيا من قول القائلة أراد أن هذه الفتاة التي أشارت عليه بتزويجها خلو كما كانت لم تتزوج ، وإنما قال : الحيين لأن خولان قد اشتملت على حيين ، وعلى أحياء ويجوز نصب خولان كما مر في أول الباب وأنشد لعدي بن زيد :
* أرواح مودع أم بكور |
|
أنت فانظر لأي ذاك (٢) |
استشهد بقوله : أنت فانظر ، وهو يشبه زيد فاضربه. ولم يجزه على إضمار بسبب (دخول) الفاء ، فتأول ذلك على وجوه أراد بها تصحيح دخول الفاء ، وجملة تأوله ثلاثة أوجه :
منها أن يرفع" أنت بفعل مضمر يفسره الظاهر الذي فيه ضميره كأنك قلت : انظر أنت
__________________
(١) شرح الأعلم ١ / ٧٠ ، إعراب القرآن ١ / ١٩٠ ، شرح النحاس ٩٨ ، شرح السيرافي ٢ / ٧٠٤.
(٢) ديوان عدي ٨٤ ، شرح الأعلم ١ / ٧٠ ، الشعر والشعراء ١ / ٢٢٥ ، شرح النحاس ٩٨.