يعني أن المنايا لا تحاشى أحدا.
وذكر سيبويه في هذا الباب أن ليس قد تكون بمنزلة «ما» واحتج بقولهم :
ليس خلق (الله) مثله.
ويحتمل أن يكون في ليس اسمها مضمرا وتكون الجملة تفسيرا للمضمر وخبرا لها ، ولذلك قال : فهذا يجوز أن يكون منه.
واحتج غير سيبويه بشيء هو أقوى من هذا عنده ، وهو قول بعض العرب :
ليس الطيب إلا المسك
فقالوا : هو بمنزلة ما الطيب إلا المسك.
فقالوا : ولو كان في ليس ضمير الأمر والشأن لكانت الجملة قائمة بنفسها ونحن لا نقول : الطيب إلا المسك بغير تقدم حرف النفي.
وليس الأمر على ما ظنوا ، لأن الجملة إذا كانت في موضع خبر اسم قد وقع عليه حرف النفي ، فقد لحقها النفي في المعنى ألا ترى أنك إذا قلت ما زيد أبوه قائم فقد نفيت قيام أبيه ، فعلى هذا يجوز أن تقول : ما زيد أبوه إلا قائم ، كأنك قلت : ما أبو زيد إلا قائم.
وإنما استشهد سيبويه بقولهم :
ليس الطيب إلا المسك لأنه قرنه بقولهم : ما كان الطيب إلا المسك فالذين نصبوا (مع) كان هم الذين رفعوا مع ليس ، فأشبه أن يكون الفرق بين ليس وكان.
قوله : فإن قلت ما أنا زيد لقيته ، رفعت إلا في قول من نصب زيدا لقيته إلى قوله وهو فيه أقوى لأنه عامل في الاسم.
يعني أنك إذا قلت : ما أنا زيد لقيته ، وجعلت ما حجازية ، كان الرفع في زيد أقوى ، لأن ما عاملة في الاسم الذي قبله وهو أنا فاجتمع عمل «ما» والفصل بينها وبين زيد ، فكان الرفع في زيد أقوى منه في قولك أأنت زيد ضربته؟ وما أنا زيد ضربته في لغة بني تميم ، لأنك فصلت هنا بين ألف الاستفهام وما التميمية ، وهما غير عاملتين ، فلما جئت إلى لغة أهل الحجاز في «ما» وفصلت بينها وبين الاسم الذي وقع الفعل على ضميره ، وأعملتها في الاسم الذي يليها ، بعد النصب عن الاسم الذي وقع الفعل على ضميره لبعده من «ما» لما اجتمع الفصل بينهما (وبينه) وعملها فيما وليها ..
فإن قال قائل : فأنتم تزعمون أن قول القائل : ما أنا زيد كلمته إذا كان ما عاملة ، وإني زيد كلمته ، الاختيار فيه الرفع لأنه جعله في موضع الخبر ، فهي على حالها إذا كانت مبتدأة ليس قبلها شيء ، فلم اختير النصب في قوله عز وجل : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [القمر : ٤٩].
وكلام الله أولى بالاختيار؟.