وإذا كانت بمعنى صيرت تعدت إلى مفعولين لا يجوز الاقتصار على أحدهما وهي في هذا الوجه تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
ـ أحدهما : بمعنى سميت : كقوله عز وجل : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) [الزخرف : ١٩] أي : صيروهم إناثا بالقول والتسمية ...
ـ والوجه الثاني : أن تكون على معنى الظن والتخيل كقولك : اجعل الأمير عاميا وكلمته أي : صيره في نفسك كذلك.
ـ والوجه الثالث : أن يكون بمعنى النقل كقول الله عز وجل : (اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) [إبراهيم : ٣٥].
أي : صيره بلدا آمنا ، وانقله عن هذا الحال.
فأما الثلاثة (الأوجه) التي ذكرها سيبويه ، فوجهان فيها يرجعان إلى الوجه الأول مما ذكرنا ، وهو أن تجعل جعلت متعديا إلى واحد.
فأحد الوجهين هو الأول الذي قال فيه : إن شئت جعلت فوق في موضع الحال فيكون معناه : عملت متاعا عاليا ، كأنك أصلحت بعضه وهو عال ، كما تقول : عملت الباب مرتفعا ، أي أصلحته وهو في هذه الحال [وهذا الوجه قسمه سيبويه ثلاثة أقسام وهو أن تقدر «فوق» في موضع «على» والآخران تقدرهما في موضع «أحسن» كما تقول : زيد فوق عمرو ، فتكون «فوق» مثلا لا حقيقة ، فلذلك مثله بقولك : رأيت زيدا وجهه أحسن من وجه عمرو ، فكأنك قلت : عملت متاعك بعضه أحسن من بعض ، فهذان وجه واحد في التحصيل ، لأن «فوق» وقعت فيهما في موضع الحال.
وأما الوجه الثالث : فأن يكون «جعلت» في معنى ألقيت ، فيقع «فوق» موقع المفعول به إلا أنه مفعول زائد في الفائدة ، كما كانت الحال ، فمجراه مجرى الأول من هذه الجهة].
والوجه الثاني من هذين الوجهين هو الثالث مما ذكره سيبويه في قوله «وإن شئت نصبته على أنك إذا قلت : جعلت متاعك ، دخله معنى ألقيت متاعك بعضه فوق بعض ، فيكون هذا متعديا إلى مفعول فيوافق الوجه الأول في التعدي إلى مفعول واحد ويخالفه في غير ذلك ، لأنك لم تعمل المتاع هاهنا لإصلاح شيء منه وتأثير فيه ، كما تعمل الباب بنجزه ونحته وقطعه».
و «فوق» في هذا كالمفعول لا في موضع الحال ، لأنه في جملة الفعل الذي هو ألقيت وعمل فيه على طريق الظرف.
وفي المسألة الأولى عمل فيه الاستقرار وصار في موضع الحال ، فهذان الوجهان كوجه واحد.