المبرد يقول : نصبها على التمييز ، لأن الكلا كل أسماء ليس فيها معنى الفعل.
قال سيبويه ومثل ذلك ذهب زيد قدما وذهب أخرا.
فجعل قدما في معنى متقدما ، وجعل أخرا في معنى متأخرا.
يصف إبلا أذهب السفر لحومهم. والسرى : سير الليل والكلكل الصر.
وقال آخر.
* طويل متل العنق أشرف كاهلا |
|
أشق رحيب الجوف معتدل الجرم (١) |
فجعل كاهلا حالا في معنى : عاليا.
والكاهل : أصل العنق وهو من أعاليه ، فجعله نائبا عن قوله : عاليا أو صاعدا
والمتل : العظيم العنق الغليظ مغرزه.
ومثله للعماني الراجز :
* إذا أكلت سمكا وفرضا |
|
ذهبت طولا وذهبت عرضا (٢) |
فجعل «طولا» و «عرضا» في معنى : ذاهبا في الطول وذاهبا في العرض.
وأبو العباس يجعل هذا كله على التمييز. والطول والعرض مصدران والمصادر تجعل أحوالا فشبهت الأسماء في الأبيات المتقدمة بهذا الضرب من المصادر ، فجعلت أحوالا.
والفرض : ضرب من التمر لأهل عمان.
والقول عندي : أن نصب هذه الأشياء في الأبيات على التمييز دون الحال على ما ذكره المبرد وغيره ، وأن سيبويه ـ رحمه الله ـ لم يقصد إلا إلى هذا. وأن من تأول عليه نصبه على الحال واتبعه فيه مخطئ كما أن من ظن به ذلك ولم يتبعه فيه مخطئ في ظنه أو متعسف عليه.
وقد كان ـ رحمه الله ـ أذكر وأعلم من أن يغلط هذا الغلط فيوهم أن الكلكل والصدر والكاهل ونحوها من الأعضاء والجواهر أن تكون أحوالا كالأعراض من الأفعال ، وما أجرى عليها من الصفات وما كان في معناها ، ولكنه سمى التمييز حالا لتناسبهما بوقوعهما فضلتين نكرتين ولعمل الفعل ومعناه فيهما فعبر عن التمييز بالحال كما يعبر عن الحال بالتمييز إن شاء لاشتراكهما في اللفظ والمعنى ، فاعلمه.
قال سيبويه : «وليس هذا كقول الشاعر».
* فلأبغينكم قنا وعوارضا |
|
ولأقبلن الخيل لابة ضرغد (٣) |
قنا وعوارضا : مكانان. وأراد بقنا وعوارض ، فحذف حرف الجر. شبهه بدخلت
__________________
(١) شرح الأعلم ١ / ٨١ ، شرح النحاس ١٠١ ، شرح السيرافي ٢ / ٧٦٥.
(٢) شرح الأعلم ١ / ٨٢ ، مجالس الثعلب ١ / ١٧٩ ، شرح النحاس ١٠١ ، شرح السيرافي ٢ / ٧٦٦.
(٣) ديوان عامر ٥٥ ، شرح الأعلم (١ / ٨٢ ـ ١ / ١٠٩) ، المفضليات ٣٦٣ ، اللسان ٣ / ٢٤٦.