والمصادر تستعمل في معنى الأزمنة كقولك : جئتك مقدم الحاج وما أشبهه ، وقد جره قوم على سعة الكلام ، ويحتمل ذلك وجهين :
أحدهما أن تجعل شولا مصدرا صحيحا ، كقولك : شالت الناقة شولا إذا ارتفع لبنها ، فيجوز على هذا أن تجعله وقتا ، ويجوز أن يكون قد حذف المضاف وأقيم إليه مقامه ، فيكون التقدير من لد كون الشول.
قال «وأما قول الشاعر» :
* لقد كذبتك نفسك فاكذبنها |
|
فإن جزعا وإن إجمال صبر (١) |
فهذا على معنى إما. ولا يكون على الجزاء.
اعلم أنك إذا قلت : أكرمك إن جئتني ، فإن للجزاء وجوابها مما قبلها ، فإن أدخلت عليها الفاء أو ثم ، بطل أن يكون ما قبلها مغنيا عن الجواب ، لا يجوز أن تقول «أكرمك أن جئتني ، ولا أكرمكم أن جئتني حتى تأتي بالجواب ، فتقول : أكرمك وإن جئتني زدت في الإكرام ، فلذلك بطل أن يكون «فإن جزعا» على معنى المجازاة وصارت «وإن» بمعنى إما ؛ لأنها تحسن في هذا الموضع.
وأنشد للنمر بن تولب مستشهدا بحذف «ما» من «إما» :
* سقته الرواعد من صيف |
|
وإن من خريف فلن يعدما (٢) |
وأنكر الأصمعي هذا على سيبويه ، وزعم أن «إن» هنا للجزاء وإنما أراد : وإن سقته من خريف فلن يعدم الرأي ، وحذف سقته لذكره في أول البيت.
وإنما يصف وعلا ، وابتداؤه :
فلو أن من حتفه ناجيا |
|
لكان هو الصدع الأعصما |
والقول قول سيبويه في بيت النمر ، وذلك أنه لا ذكر للري ، وإنما المعنى سقته الرواعد إما في الصيف وإما في الخريف فلن يعدم السقي أي هو يسقى من الصيف ومن الخريف ، ولا تحذف «ما» من «إما» إلا في الشعر.
قال : ومن ذلك قولك «أو فرقا خيرا من حب».
هذا كلام تكلم به رجل عند الحجاج ، وكان قد فعل له فعلا فاستجاده فقال له الحجاج : أكل هذا حبا؟ أي فعلت هذا حبّا لي. فقال الرجل مجيبا له : أو فرقا خيرا من حب؟ أي لو فعلت هذا فرقا فهو أنبل لك وأجل وقد قيل إن هذا الرجل عصبان بن القبعثري.
__________________
(١) الكامل ١ / ٢٨٩ ، المقتضب ٣ / ٢٨ ، شرح النحاس ١٢٤.
(٢) شعر النمر ١٠٤ ، وشرح الأعلم (١ / ١٣٥ ـ ١٧١) ، المقتضب ٣ / ٢٨ ، المنصف ٣ / ١١٥.