وبقى قسم ثالث : وهو الذي يكون زمان الإخبار عن وجوده زمان وجوده ، وهو الذي قال فيه سيبويه : «وما هو كائن لم ينقطع».
هذا باب مجاري أواخر الكلم من العربية
أما قول : «مجاري» إنما أراد بها حركات أواخر الكلم ، والدليل على ذلك قوله : «وهي تجري على ثمانية مجار» : على النصب والرفع ، وما بعدهما من الثمانية.
وقوله : «وهي تجري» : كناية عن أواخر الكلم ، كأنه قال : باب حركات أواخر الكلم.
وأواخر الكلم تجري على ثماني حركات. وسمى الحركات «مجاري» وهن يجرين والمجاري يجرى فيهن.
فإنما ذلك لأن الحركات لما كانت أواخر الكلم قد تنتقل من بعضها إلى بعض كما تنتقل فيهن الحركة من حرف إلى حرف ، جاز أن تسمى الحركات «مجاري» من حيث أواخر الكلم.
ووجه : أن تكون المجاري جمع مجرى في معنى جرى ، والمصدر قد تلحق الميم أوله كقولك : مضرب ومفر.
فإن قال قائل : لم جمع والمصادر لا تجمع؟
قيل له : قد تجمع المصادر إذا كانت مختلفة كقولهم : العلوم ، والأفهام وأشباه ذلك.
فجعل جري كل واحدة من الحركات خلاف جري صواحبها ؛ لأنهن مختلفات في ذواتها.
ويروى عن المازني أنه غلط سيبويه في قوله : «على ثمانية مجار» ، وزعم أن المبنيات حركات أواخرها كحركات أوائلها ، وإنما الجري لما يكون في شيء يزول عنه ، والمبني لا يزول عن بنائه ، فكان ينبغي أن يقول : على أربعة مجار : على الرفع والنصب والجر والجزم ، ويدع ما سواهن.
والجواب في ذلك : أن أواخر الكلم لا يوقف على حركاتهن وإنما يحركن في الدرج ، وليس كذا صدور الكلم وأواسطها فجاز أن تصف حركات أواخر الكلم من الجري بما لا تصف به أوائلها وأواسطها ؛ لأن حركات الأوائل والأواسط لوازم في الأحوال كلها.
ووجه ثان : أن أواخر الكلم هي مواضع التغيير ، فيجوز إطلاق لفظ المجاري عليهن وإن كان بعض حركاتهن لازما في حال.
وقوله : «وإنما ذكر ثمانية مجار» إلى آخر الفصل.
غلطه جماعة من النحويين في قوله : «لأفرق بين ما يدخله ضرب من هذه الأربعة».
وقال من قبل : إن ما يدخله ضرب من هذه الأربعة هو حرف ؛ لأن هذه الأربعة أراد بها الحركات والسكون ، وما يدخله ضرب منها حرف.