فصادفته على حال ما ، ولن تراها إلا في حالة ما وكان تمام الكلام مقصود ذكر الحال ـ لم يجز أن يحمل النصب على إضمار معنى اللفظ الأول.
فرد هذا الزجاج وذكر أن القصد في قوله : فصادفته إنما هو إلى الولد ، وذلك لأن الوحشية طلبت ولدها فصادفته وصادفت على دمه السباعا ، فلما كان المعنى يدل على هذا ـ واحتاج الشاعر إلى إيقاع المصادفة على الولد المطلوب ـ أضمر للسباع فعلا دل عليه أول الكلام ، كأنه قال صادفته وصادفت السباع على دمه.
وقوله : «لن تراها ولو تأملت» إنما يصفها بأن الطيب لا يفارقها وقد علم ذلك من مقصده ، فجاز استغناؤه باللفظ الأول فأضمر إلا رأيت.
وأنشد سيبويه :
* قد سالم الحيات منه القدما |
|
الأفعوان والشجاع الشجعما |
وذات قرنين ضموزا ضرزما |
الضموز : الساكنة. والضرزم : المسنة وهي أخبث الحيات. والأفعوان وما بعده حيات ، وهي منصوبة والحيات الأولى مرفوعة.
وإنما حمل الأفعوان على المعنى ، وذلك أنه يصف رجلا بخشونة قدميه وصلابتهما ، وأن الحيات لا يعملن فيها ، وأنها قد سالمتها ، فإذا سالمت الحيات القدم فالقدم أيضا قد سالمت الحيات فكأنه قال سالمت القدم الأفعوان.
وأنشد سيبويه لأوس :
* تواهق رجلاها يداها ورأسه |
|
لها قتب خلف الحقيبة رادف (١) |
وكان وجه الكلام تواهق رجلاها يديها ، والمواهقة : المتابعة والمسابقة ، فحمله على المعنى ؛ لأنه إذا واهقت الرجلان اليدين ، فقد واهقت اليدان الرجلين على مؤخرة الأتان إذا غشيها مسابقا لها ، والحقيبة ما يعلق في مؤخر الرحل ، وأراد بها مؤخر الإنسان.
وأنشد :
* ليبك يزيد ضارع لخصومة |
|
ومحتبط مما تطيح الطوائح (٢) |
فرفع ضارعا بإضمار فعل دل عليه «ليبك» ، كأنه قال ليبك ضارع.
والضارع : الذليل ، والمحتبط : الطالب المعروف ، ومعنى تطيح : تهلك وتذهب ، يقال : أطاحه فهو مطيح والجمع مطاوح ، ولكنه بنى قوله الطوائح على حذف الزيادة كقوله عز وجل : (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) [الحجر : ٢٢]. أي ملاقيح.
__________________
(١) ديوان أوس ٧٣ ، شرح الأعلم ١ / ١٤٥ ، المقتضب ٣ / ٢٨٥ ، شرح النحاس ١٣١.
(٢) الكتاب ١ / ١٨٣ ـ ١٩٩ ، المقتضب ٣ / ٢٨٣ ، الخصائص ٢ / ٣٥٣ ، المقتصد ١ / ٣٥٤.