قال : «ومن ذلك قول العرب : من أنت زيدا».
أصل هذا أن رجلا غير معروف بفضل ، كأنه سمي بزيد ، وكان زيد معروفا بشجاعة وضرب من ضروب الفضل التي يذكر بها الرجل ، فلما تسمى الرجل المجهول بزيد الذي هو معروف بالشجاعة والفضل عن ذلك وأنكر عليه فقيل له : من أنت زيدا؟ أي من أنت ذاكرا زيدا ومعروفا بهذا الاسم؟
وقد يجوز الرفع ، والنصب أقوى ؛ لأنك إذا رفعت فتقديره : كلامك زيد أو ذكرك زيد على معنى ذكرك ذكر زيد ، وكلامك اسم زيد فيكون على سعة الكلام.
وقد يجوز أن تقول لمن ليس اسمه بزيد من أنت زيدا؟ على المثل الجاري كما قالوا : «أطري إنك ناعلة» و «الصيف ضيعت اللبن» فتخاطب الرجل بهذا وإن كان اللفظ للمؤنث ؛ لأن المعنى أنت عندي بمنزلة التي قيل لها هذا.
ويجوز أن يذكر غير زيد باسمه ، كأن رجلا ذكر عمرا وذكر ملابسة بينه وبينه أو سؤالا عنه وكأن منزلة عمرو ترفع عند بكر إن يسأل عنه مثل هذا الرجل السائل ، فقال له : من أنت عمرا؟ كأن في سؤاله عن عمرو ما يتشرف به أو يكتسب به حالا فيها فخر فقال من أنت سائلا عن عمرو مفتخرا به؟
وأما ما حكاه من قول القائل لرجل سأله لم يذكر ذلك الرجل «من أنت فلانا» فيجوز أن يكون على معنى التعريض ؛ لأنه ليس بموضع يذكر معه غيره قال : «ومن ذلك قول العرب أما أنت منطلقا انطلقت معك .. وقال الشاعر :
* أبا خراشة أما أنت ذا نفر |
|
فإن قومي لم تأكلهم الضبع (١) |
قال : «فإنما هي «أن» ضمت إليها ما للتوكيد ولزمت كراهية أن يجحفوا بها لتكون عوضا من ذهاب الفعل».
اختلف البصريون والكوفيون في قولهم (أما أنت منطلقا)
فقال الكوفيون هو بمعنى إن وأن المفتوحة فيها معنى إن التي للمجازاة عندهم ، وعلى هذا يحملون (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) [البقرة : ٢٨٢]. وهي قراءة حمزة.
وأما البصريون فالتقدير عندهم لئن كنت منطلقا أنطلق معك ، أي لانطلاقك في الماضي أنطلق معك ، ولذلك شبهها سيبويه ب «إذ» وجعلها كشيء واحد.
وإذا ولي «أن» الفعل الماضي فهو ماض لا غير كما إذا وليها المستقبل فهو للاستقبال لا غير ومن أجل أن الثاني استحق بالأول جاز دخول الفاء في الجواب في قوله : «فإن قومي لم
__________________
(١) ديوان العباس ١٢٨ ، شرح الأعلم ١ / ١٤٨ ، شرح النحاس ١٣٧ ، شرح السيرافي ٣ / ٥٤.