«اللهم اكفني عامرا وأربد» فأصابت أربد صاعقة ، وأصابت عامرا الغدة.
وأنشد لجرير :
* أعبدا حل في شعبي غريبا؟ |
|
ألؤما لا أبا لك واغترابا؟ (١) |
الشاهد في قوله : ألؤما.
وبخه على ما يأتيه من اللؤم مع غربته ، وشعبي : اسم موضع.
قال : «ومثل ما تنصبه في هذا الباب وأنت تعني نفسك قول الشاعر» :
* سماع الله والعلماء أنّي |
|
أعوذ بحقو رأسك يا ابن عمرو (٢) |
كأنه قال : أسمع الله هذا ، كما تقول : أشهد الله بهذا على نفسي ، ولو نون سماعا لنصب «الله» و «العلماء» فقال : سماعا الله بمعنى : إسماعا الله كما تقول : أعطيته عطاء بمعنى إعطاء.
هذا باب ما ينتصب من الأسماء التي أخذت من الأفعال انتصاب الفعل
استفهمت أو لم تستفهم
وذلك قولك : أقائما وقد قعد الناس ، وأقاعدا وقد سار الركب
وهذا الباب مثل الذي قبله ، غير أن الأول مصدر وهذا اسم فاعل ، وقدره سيبويه في العمل تقدير المصدر فقال : «كأنه لفظ بقوله : أتقوم قائما؟ وأتقعد قاعدا ولكنه حذف استغناء».
وهذا ينكره بعض الناس ؛ لأن لفظ الفعل لا يكاد يعمل في اسم الفاعل الذي من لفظه ، فإذا جاء ذلك صرف إلى أنه مصدر لا اسم فاعل.
والقول فيه ما قاله سيبويه ، أنه حال لا مصدر ؛ لأنه قد تكون الحال توكيدا ، كما يكون المصدر تأكيدا وإن كان الفعل قد دل عليه ، قال الله عز وجل : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) [النساء ٨٩].
واعلم أنه لا يجوز أن تقول : قائما زيد مبتدئا بهذا من غير حال تدل عليه ، لأنه يجوز أن يكون التقدير : أثبت قائما ، وتكلم قائما ، وشبهه مما لا يحصر.
فأما قوله : «عائذا بالله من شرها».
فإنما جاز ذلك لأنه رأى شيئا يتقى فصار عند نفسه في حال استعاذة حتى صار في منزلة الذي رآه في حال قيام أو قعود ، فقال : عائذا بالله ، كأنه قال : أعوذ بالله عائذا.
وأنشد لعبد الله بن الحارث السهمي من الصحابة :
* ألحق عذابك بالقوم الذين طغوا |
|
وعائذا بك أن يعلوا فيطغوني (٣) |
__________________
(١) ديوان جرير ١ / ٦٢ ، شرح الأعلم ١ / ١٧٠ ، شرح السيرافي ٣ / ١١٩.
(٢) شرح الأعلم (١ / ١٧٠ ـ ١٧٣) ، شرح النحاس ١٤٩.
(٣) شرح الأعلم ١ / ١٣١ ، شرح النحاس ١٥٠ ، شرح السيرافي ٣ / ١٢٢.