هذا باب ما ينتصب من المصادر لأنه حال وقع فيه الأمر ..
وذلك قولك : قتلته صبرا ، ولقيته كفاحا ، ورأيته ركضا وعدوا ومشيا.
اعلم أن مذهب سيبويه في قولك : أتيت زيدا مشيا وقتلته صبرا ، وما كان مثله أن المصدر في موضع الحال ، كأنه قال : أتيته ماشيا ، وقتلته مصبورا ، إذا كان حالا من الهاء.
وإن كان من التاء فتقديره صابرا ، والصبر هنا : الحبس على القتل وليس بقياس مطرد لأنه شيء وضع في غير موضعه.
وكان أبو العباس يجيز هذا من كل شيء يدل عليه الفعل ، فأجاز :
أتانا سرعة ، وأتانا رجلة ، ولم يجز أتانا ضربا ، ولا أتانا ضحكا ؛ لأن هذا ليس من ضروب الإتيان ، والسرعة والرجلة من ضروب الإتيان.
وكان يقول : إن نصب «مشيا» إنما هو بالفعل المقدر كأنه قال : «أتانا يمشي مشيا».
وكان الزجاج يذهب إلى تصحيح قول سيبويه أنه على الحال وهو الصواب ؛ لأن قول القائل : أتانا زيد مشيا ، يصح أن يكون جوابا لقائل قال : كيف أتاكم زيد؟
ولو كان على ما قاله المبرد ـ إن الناصب للمصدر : الفعل المضمر ، وإن ذلك الفعل في موضع الحال ـ لجاز أن يقول : أتانا زيد المشي وهو لا يجيز هذا. وعلى قياسه يلزمه ، وذلك أن الفعل يعمل في مصدره معرفة ونكرة.
وأنشد لزهير :
* فلأيا بلأي ما حملنا وليدنا |
|
على ظهر محبوك ظماء مفاصلة (١) |
فالتقدير فيه : فلأيا بلأي حملنا «وما» زائدة ولأيا : بطئا وجهدا ، وهي في موضع الحال ، كأنه قال : حملنا وليدنا مبطئين وجاهدين ، ويقال : التأت عليه الحاجة : إذا بطأت.
والمحبوك : الشديد الخلق. والظماء : القليلة اللحم الضئيلة ، يعني قوائمه ومفاصله.
وأنشد أيضا :
* ومنهل وردته التقاطا (٢)
أي فجأة ، وتقديره : ملتقطة.
وهذا باب منه في الألف واللام
وذلك قولك : أرسلها العراك
وقال لبيد :
* فأرسلها العراك ولم يذوها |
|
ولم يشفق على نغص الدخال (٣) |
__________________
(١) ديوان زهير ٥٢ ، شرح الأعلم ١ / ١٨٦ ، شرح النحاس ١٥٩ ، شرح السيرافي ٥١٦ / ٣.
(٢) شرح الأعلم ١ / ١٨٦ ، شرح النحاس ١٥٩ ، شرح السيرافي ٣ / ١٦٥.
(٣) ديوان لبيد ٨٦ ، شرح السيرافي ٣ / ١٦٥ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٢٠.