فنصب العراك وهو مصدر عارك يعارك : إذا زاحم. وجعل العراك في موضع الحال وهو معرفة ، وجاز هذا لأنه مصدر ، ولو كان اسم فاعل لم يجز. يصف أنه وجه الإبل ولم يرتبها فأرسلها مزدحمة على الماء ، ولم يشفق على بعض الدخال.
والدخال : أن يقع الضعيف بين قويين فيتنغص عليه شربه ، أي : أرسلها مزدحمة ولم يشفق على الماشية منها.
ومثل هذا قول أوس بن حجر :
* فأوردها التقريب والشد منهلا |
|
قطاة معيد كرة الورد عاطب (١) |
أي : فأوردها تقريبا وشدا في معنى : مقربا وشادا.
هذا باب ما جعل من الأسماء مصدرا كالمضاف في الباب الذي يليه
وذلك قولك : مررت به وحده ومررت بهم ثلاثتهم.
ومثل ذلك قول الشماخ :
* أتتني تميم قضها بقضيضها |
|
تمسح حولي بالبقيع سبالها (٢) |
هذا البيت منسوب في النسخ إلى الشماخ : هو لأخيه مزرد.
والنحويون يروونه في الاستشهاد منصوب اللام من سبالها ، وهي مرفوعة لأن سائر الأبيات كذلك ، ويتصل بهذا :
* يقولون لي احلف ، قلت لست بحالف |
|
أخادعهم عنها لعلي أنالها (٣) |
ومن روى الأول بالنصب ينشد «لكيما أنالها» ، والمعنى أتتني تميم منقضين عليّ : أي مجتمعين ، وهو مأخوذ من القض ، وهو الكسر ، وقد يستعمل الكسر في موضع الوقوع على الشيء بسرعة ، كما يقال : عقاب كاسر ، أي : منقضة.
والمعنى : أنه كان عليه دين ، فوصف أنهم جاءوا عليه وهم يهيئون لحاهم. والبقيع : موضع.
هذا باب ما يجعل من الأسماء مصدرا كالمصدر الذي فيه الألف واللام
نحو : العراك
وهو قولك : مررت بهم الجماء الغفير.
اعلم أن الجماء هي اسم والغفير نعت لها. وهو بمنزلة قولك : الجم الغفير. أي : الكثير ؛ لأنه إنما يراد به الكثرة. والغفيرة يراد به أنهم قد غطوا الأرض من كثرتهم ، من قولهم : غفرت
__________________
(١) ديوان أوس ٦٩ ، شرح السيرافي ٣ / ١٦٦ ، المخصص ١٤ / ٢٢٧.
(٢) ديوان الشماخ ٢٠ ، شرح الأعلم ١ / ١٨٨ ، طبقات ابن سلام ١١٢.
(٣) شرح السيرافي ٣ / ١٧٠ ، المخصص ٣ / ١٢٤.