بزيد ، فنصبه المصدر ، كأنك قلت : مهما يكن من شيء فأنا عالم بزيد العلم ، ثم قدمته على هذا الوجه.
ومعنى قوله : «إن العلم الأول غير العلم الثاني» مفهوم لأن الإنسان قد يقول : فلان عالم بالفقه أو بالنحو أو غير ذلك ، فتكون منزلة الفقه ، وإن كان علما من العلوم بمنزلة «زيد» في قولنا : هو عالم بزيد. فإذا جاز أن تقول هو عالم بزيد علما ـ والعلم غير زيد ـ جاز أن تقول : هو عالم بالفقه علما ، والعلم غير الفقه.
وأما قول سيبويه «فعمل فيه ما قبله وما بعده» بعد ذكره : «وأما سمنا فسمين».
فمعنى «ما قبله» ما تتضمنه الجملة التي تدل عليها «أما» كأنه قال : مهما يذكر زيد سمنا فهو سمين ، لأن هذا الكلام إنما جرى على إنسان مذكور ، وحذف ذكره استغناء ، وأما «ما بعده» فيعني به : سمين ؛ أنه قد عمل في سمن فنصبه.
وأنشد سيبويه :
* ألا ليت شعري هل إلى أمّ عامر |
|
سبيل؟ فأمّا الصبر عنها فلا صبرا (١) |
فالناصب للصبر ما قبل الصبر من التقدير ؛ لأنه ليس فيما بعده ما يعمل فيه ، فكأنك قلت : مهما ترض الصبر وتذكر الصبر فلا صبرا. وبنو تميم يقولون : أما الصبر عنها بالرفع كما قالوا : أما العلم فعالم على إضمار الهاء وعلى مذهب أهل الحجاز يكون الصبر مفعولا له كأنه قال : مهما تذكر الشيء للصبر فلا صبر.
وأنشد تقوية لبني تميم :
* ألا يا ليل ويحك نبّئينا |
|
فأمّا الجود منك فليس جود (٢) |
أي : «ليس لنا منك جود».
وتصحيح الكلام أن الجود مبتدأ ، ولا بد من عائد إليه ، فالتقدير : أما الجود منك ، فليس لنا جود له ، أو من أجله أو نحو ذلك.
قال : «ومثل ذلك من الصفات : أما صديقا مصافيا فليس بصديق مصاف ... وأما عالما فعالم».
ثم قال : «والرفع لا يجوز هنا لأنك قد أضمرت صاحب الصفة».
يريد أن قوله : أما صديقا مصافيا فهو حال ، وقد أضمر الذي منه الحال كأنه في التقدير : أما صديقا مصافيا فليس زيد بصديق مصاف.
__________________
(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ١٩٣ ، شرح النحاس ١٦١ ، شرح السيرافي ٣ / ١٩٠ ، أوضح المسالك ٧ / ١٤١ ، مغني اللبيب (٢ / ٦٥٠) ، شرح شواهد المغني ٢ / ٨٧٦.
(٢) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ١٦٣ ، شرح النحاس ١٦١ ، شرح السيرافي ٣ / ١٩٠ ، همع الهوامع ١ / ١١٦.