(ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ) [فصلت : ٢٨]. فدار الخلد ليست من لفظ النار ، وإن كانت إياها في المعنى ، والأمران عند أهل البصرة سواء وليس في الآية ما يوجب امتناع غيرها مما اتفق فيه اللفظان ، لان المعنى واحد ، والاتساع في الاتفاق والاختلاف سواء فاعلمه.
باب ما ينتصب من الأسماء التي ليست بصفة ولا مصادر
لأنه حال يقع فيه الأمر ...
وذلك قولك : كلمته فاه إلى فيّ ، وبايعته يدا بيد.
اختلف النحويون في باب" فاه إلى فيّ" ، فالبصريون يذكرون أن الناصب كلمته ، وإنه ليس فيه إضمار ، وجعلوه نائبا عن مشافهة ومعناه : مشافها ، وجعلوه من الشاذ المحمول على غيره لأنه معرفة ، ولأنه اسم غير صفة وصار بمنزلة قولك : " الجمّاء الغفير" و" رجع عوده على بدئه".
والكوفيون ينصبون" فاه" بإضمار" جاعلا" كأنه قال : كلمته جاعلا فاه إلى فيّ.
ويدل على قول البصريين أنه لو كان على إضمار" جاعلا" ما كان فيه شذوذ ، ولجاز أن تقول : كلمته وجهه إلى وجهي ، وعينه إلى عيني ، ولم يقل هذا أحد لأن الشاذ لا يقاس عليه ، وإقامة الشيء مقام غيره ليس بمستمر.
قال سيبويه : " ومما ينتصب لأنه حال وقع فيه الفعل : بعت الشاء شاة ودرهما" إلى قوله : " تصدقت بما لي درهما درهما".
اعلم أن هذه الأسماء المنصوبة هي حالات جعلت في موضع" مسعرا" فإذا قلت : " بعت الشاء شاة ودرهما" فمعناه : بعت الشاء مسعرا على شاة بدرهم ، وجعلت الواو في معنى الباء فبطل خفض الدرهم ، وجعل معطوفا على شاة فاقترن الدرهم والشاة ، لأن الشاة مثمن ، والدرهم ثمنه ، ولاقترانهما عطف أحدهما على الآخر.
وإذا قلت : " قامرته درهما في درهم" فمعناه : قامرته هذا الضرب من القمار ، كأنه قال : باذلا درهما في درهم ، وهو في موضع الحال.
وإذا قلت : " أخذت منه زكاة ماله درهما لكل أربعين درهما" فمعناه : فارضا هذا الفرض ومقدّرا هذا التقدير.
و" بينت له حسابه بابا" ، أي مصنفا مبوبا.
و" تصدقت بمالي درهما درهما" ، أي : مفرقا هذا التفريق.
ويكون الذي منه الحال في" بعت الشاء شاة ودرهما" وفي" قامرته" من التاء من الهاء ومنهما جميعا إن شئت.