اعلم أن حق الصفة أن تكون تحلية في الموصوف في حال الإخبار عنه
كقولك : القائم والقاعد والأحمق العاقل ، فهذه أشياء حاصلة في المحلّى بها.
فإذا قلت : ليدخل العاقل ، فقد عرف العاقل في الوقت الأمر ، فإذا قلت ليدخل الأول.
لم يجز إلا أن يكون واحدا قد استحق هذا الاسم ، وهذا هو القياس.
وقد يتسعون في مثل هذا فيأمرون بالفعل الذي يستحق فاعله صفة ما ، فيوقعون عليه تلك الصفة من قبل وقوعها منه على معنى ما يكون ، فيقولون : فيدخل الأول ، ومعناه : ليدخل رجل من القوم إذا صار الأول ، فهذا الغرض فيه قد سموه قبل استحقاقه على هذا المعنى ، ومن أجل هذا جاز أن تجعل الأول فالأول حالا ، لأنه ليس بصفة قد استقرت فيكون بمنزلة العاقل ، وإنما يصير أولا في ترتيب الفعل إذا سبق فأشبه النكرات.
وقال المبرد : إنما أدخلوا الألف واللام ، إذا قلت : ادخلوا الأول فالأول ، كأن القائل قال : أعرفكم إذا دخلتم. ولو قال : ادخلوا أولا فأولا لكان منكورا لا يعرف ترتيبهم إذا دخلوا على ذلك.
وقال سيبويه : " وإذا قلت : ادخلوا الأول والآخر والصغير والكبير رفعت على التوكيد كقولك : ادخلوا كلكم ، ولم يجز العطف في مثل هذا بالفاء لأنها للتفرقة والواو للجمع.
وأنشد لأمية بن أبي عائذ :
* ويأوي إلى نسوة عطّل |
|
وشعث مراضيع مثل السّعالى (١) |
فعطف شعثا على عطل بالواو ، وهما نعتان للنسوة ولو قال : عطل فشعث لم يحسن.
هذا باب ما ينتصب من الأسماء والصفات لأنها أحوال تقع فيها الأمور
وذلك قولك : هذا بسرا أطيب منه تمرا
اعلم أن هذا الباب يأتي لتفضيل شيء في زمن من أزمانه على نفسه في سائر الأزمان.
ويجوز أن يكون زمان تفضيله ماضيا ، ويجوز أن يكون مستقبلا ، ولا بد من إضمار ما يدل على المضي منه والاستقبال ، فإن كان زمانا ماضيا ، أضمرت" إذ" وإن كان مستقبلا أضمرت" إذا".
فإذا قلت : " هذا بسرا أطيب منه تمرا" وكانت الإشارة إليه في حال ما هو تمر ، فالتفضيل وقع له فيما مضى ، فتقدره" بإذ".
وإن كانت الإشارة إليه قبل أن يكون بسرا ، قدرته بإذا ، ونصبت تمرا وبسرا في الوجهين على الحال ، والعامل في الحال" كان".
__________________
(١) ديوان الهذليين ٢ / ١٨٤ ، الكتاب وشرح الأعلم (١ / ١٩٩ ، ٢٥٠) ، معاني القرآن (١ / ١٠٨ ، ٣ / ٢١٢).