قال : " البرّ أرخص ما يكون قفيزان ، أي : البرّ أرخص أحواله التي يكون عليها قفيزان ... ومن ذلك هذا البيت تنشده العرب على أوجه ... وهو لعمرو بن معدي كرب :
* الحرب أوّل ما تكون فتيّة |
|
تسعى ببزّتها بكلّ جهول (١) |
فقوله : " البر" مبتدأ و" أرخص ما يكون" مبتدأ ثان ، " وقفيزان" خبره والجملة خبر الأول ، والعائد إليه محذوف كأنه قال : أرخص ما يكون البر منه ومعناه أرخصه.
والحذف في هذه الأشعار مطرد ، وقد أنشد سيبويه البيت على ثلاثة أوجه فرفع الأول وفتية ، ورفع الأول ونصب فتية ، ونصب فتية ، ونصب الأول ورفع فتية.
ـ فأما من رفع الأول وفتية وأنت" تكون" ، فإنه جعل" الحرب" مبتدأ و" الأول" مبتدأ ثانيا. و" فتية" خبر الأول. وكان حقه أن يقول : فتيّ لأنه خبر أول ، وأول مذكر ، ولكنه حمله على المعنى فأنّث. لأن معناه : أول أحوالها ،. فهو كقولك : بعض أحوالها ، وأنث المضاف لتأنيث المضاف إليه كقولك : " ذهبت بعض أصابعه".
ـ والذي نصب أول ورفع فتية ، جعل فتية خبر الحرب ، ونصب أول على الظرف ، كأنه قال : الحرب فتية في أول ما تكون.
ـ ومن رفع أول ونصب فتية ، فإن" أول" يكون بدلا من الحرب ، وتكون فتية منصوبة على الحال ، كأنه قال : الحرب أول ما تكون إذا كانت فتية.
واعلم أن العامل في" إذا"" وإذ" المقدرتين في هذا الباب : أطيب ونحوه.
وإنما جاز أن يعمل فيهما وهو لا ينصرف ، وما لا ينصرف لا يعمل في ما قبله من الحال والمصدر لأن العامل في الظرف قد يكون متأخرا ضعيفا يعمل في معناه.
ألا ترى أنك تقول : زيد الساعة في الدار ، ولا تقول : زيد قائما في الدار.
وتقول : زيد الساعة أخوك ، تريد من الصداقة ، ولا تقول : زيد قائما أخوك.
وتقول : زيد أخوك أخوة على التوكيد ، ولا تقول : زيد أخوة مؤكدة.
أخوك. فهذا فرق بين الظرف والحال والمصدر.
قال : " وتقول : آتيك يوم الجمعة ... أبطؤه"
فرفع" أبطؤه" على معنى : ذلك أبطؤه.
وتقول : آتيك يوم الجمعة أو يوم السبت أبطؤه على ذلك التفسير. وإن شاء قال : أو يوم السبت أبطؤه على الابتداء والخبر.
وكذلك أعطيته درهما أو درهمين أكثر ما أعطيت ، فتنصب أكثر على أنه مفعول به بدل
__________________
(١) ديوان عمرو ١٥٦ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٠٠ ، المقتضب ٣ / ٢٥١.