ومعنى : مررت ببر قفيز بدرهم : قفيز منه بدرهم ، وإن كان قفزانا كثيرة. فإذا اتصلت هذه المقادير باسم بعدها كانت رفعا ، لأنها ليست بمشتقة من فعل ، ولأن ما هو أقرب إلى الفعل منها يختار فيه الرفع نحو : مررت برجل خير منك أبوه أفضل منك أخوه وما أشبهه.
وأنشد للأعشى في ما أفرد فجاء صفة الأول :
* لئن كنت في جب ثمانين قامة |
|
ورقيّت أسباب السماء بسلّم (١) |
فنعت بثمانين كأنه قال : في جب طويل.
واعلم أنك إذا قلت : مررت برجل حسن أبوه ظريف ، لم يحسن فيه جر حسن وظريف إذا أردت أن ترفع الأب بحسن وظريف نعت لحسن ، لأنك إذا قلت : وصفت اسم الفاعل خرج من باب الأفعال ، وقوي في الاسمية ، فصار الباب الرفع على الابتداء والخبر.
فإن قلت : مررت برجل شديد رجل أبوه ، فهو رفع لأن هذا وإن كان صفة فقد جعلته في هذا الموضع بمنزلة أبي عشرة أبوه ، و" رجل" الذي بعد شديد بدل من شديد ، فبطل أن يعمل شديد في أبوه ، وقد أبدل منه رجل فخرج عن شبه الأفعال.
واعلم أنك إذا قلت : ما رأيت رجلا أبغض إليه الشر منه إليه ، فأبغض : نعت لرجل ، و" إليه" في صلته"" والهاء" في إليه ضمير لرجل ، و" الشر" مرفوع بأبغض على أنه فاعله و" الهاء" في" منه" ضمير الشر ، و" الهاء" في ضمير الشر ، و" الهاء" في إليه التي بعد منهن ضمير رجل ذكر ، كأنه قال : منه إلى زيد.
فإن قال قائل : قد مر من احتجاج سيبويه في مررت برجل خير منه أبوه ، ما يوجب أن يكون هذا مثله ، لأنه احتج في رفعه بأنك لا تستطيع أن تفرد شيئا من هذه الأسماء (و) لو قلت : هذا رجل خير ، وهذا رجل أفضل لم يستقم. وكذلك لا يفرد أبغض في قولك : ما رأيت رجلا أبغض وذكر أيضا أن الذي يجري على الأول اسم الفاعل أو الصفة المشبهة ، وأفعل ليس بواحد منها فهذا ، والذي تقدم في علة منح الإجراء على الأول مجتمعان ، فلم أجريت أحدهما عليه ، ومنعت الآخر الإجراء؟
قيل له : بينهما فرق في المعنى : يوجب للذي أجراه على الأول قرب شبه من اسم الفاعل ، وفرق في اللفظ تدعو الضرورة فيه إلى إجرائه على الأول.
وأما الفرق في المعنى ، فإنك إذا قلت : مررت برجل خير منه أبوه ، فمن تقع على المفضول ، والذي بعده هو الفاضل ، وأحدهما غير الآخر.
وإذا قلت : ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد ، ما رأيت رجلا
__________________
(١) ديوان الأعشى ٩٤ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٣٠ ، شرح المفصل ٢ / ٧٤ ، شرح النحاس ١٧٢ ، اللسان سبب ٤٥٨.