أبغض إليه الشر منه إليه ، فليست الهاء في منه مفضولة فضلها على غيرها ، ولكنها ضمير الكحل ، والكحل : هو الفاضل ، فصار الفاضل والمفضول واحدا ، وصار ما اكتسب من الفضل بسبب الأول ، وذلك أنك تفضل الكحل إذا كان في عين زيد عن نفسه إذا كان في عين غيره فبكونه في عين من ذكر فضل.
وأما الفرق في اللفظ : فإنك إذا قلت : مررت برجل خير منه أبوه ، " فمنه" في صلة خير ، " وأبوه" مبتدأ و" خير" خبره ، ولم تفصل بين شيئين أحدهما : في صلة الآخر. ولو رفعت : " ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد" ، فجعلت أحسن مبتدأ ، وخبره الكحل ، أو الكحل مبتدأ وخبره أحسن لفصلت بين أحسن وصلته بالكحل الذي حقه أن يكون مؤخرا عن الجميع أو مقدما على الجميع ، فإن أخرته على أن تجعله خبرا عن أحسن بطل التقديم المضمر عليه ، وإن قدرته ـ وهو مؤخر ـ مرفوعا بالابتداء وخبره أحسن.
واستشهد سيبويه على حذف بعض الكلام في هذه المسائل بقول سحيم بن وثيل.
* مررت على وادي السباع ولا أرى |
|
كوادي السباع حين يظلم واديا |
أقل به ركب أتوه تئية |
|
وأخوف إلا ما وقى الله ساريا (١) |
والمعنى : أقل به الركب تئية منهم به ، فحذف منهم و" به".
والهاء" في" به" الأول ضمير واديا والهاء التي" به التي بعد" منهم" ضمير وادي السباع ، و" أتوه" نعت لركب و" تئية" في معنى تلبث وتمكث ، كأنه قال : لا أرى واديا أقل به مكثا وتلبثا الركب الآتوه منهم بوادي السباع ، فحذف" منهم"" وبه" كما تقول : الله أكبر ومعناه : من كل شيء.
هذا باب ما جرى من الأسماء التي من الأفعال
وما أشبهها من الصفات التي ليست بعمل نحو : الحسن والكريم وما أشبه ذلك مجرى الفعل إذا أظهرت بعده الأسماء وأضمرتها وذلك قولك : مررت برجل حسن أبواه ، وأحسن أبواك؟ ، وأخارج قومك ، اعلم أن الصفات إذا جرت مجرى الأفعال في رفع ما بعدها ، فحكمها أن لا تثنى ولا تجمع كما لا يثنى الفعل ولا يجمع إذا تقدم.
اعلم أن التأنيث على ضربين :
أحدهما : تأنيث حقيقي ، والآخر : غير حقيقي.
* فأما الحقيقي : فهو كل نوع من الحيوان الذي فيه ذكر وأنثى ، كالمرأة والناقة
__________________
(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٣٣ ، شرح النحاس ١٧٢ ، شرح السيرافي ٣١٥ ، الخزانة ٨ / ٩٢٧ المقاصد النحوية ٤ / ٧٧.