أن اسم زيد وهند يختص شيئا بعينه دون غيره من الأشخاص وأسماء الأجناس يختص كل اسم منها جنسا ، كل شخص من ذلك الجنس يقع عليه الاسم الواقع على الجنس والفرق بينهما : أن الناس تقع أسماؤهم على الشخوص ليختص بعضهم من بعض ، لأن لكل واحد منهم حالا في الناس ، ينفرد بها في معاملته وأسبابه وماله وعلمه ، ليست لغيره ، فاحتاج إلى اسم يختص شخصه ، وكذلك ما يتخذه الناس ويألفونه من الخيل والكلاب والغنم ، ربما خصوها بأسماء يعرف بعضها من بعض ، وهذه السباع ، وما لا يألفه الناس ، لا يخصون كل واحد منها بشيء دون غيره ، فيحتاجون من أجله إلى تسميته ، فصارت التسمية للجنس بأسره ، فيصير الجنس في حكم اللفظ كالشخص ، فيجري خبره ونعته مجرى خبر زيد وعمرو وما أشبه ذلك من الأسماء والكنى.
وإنما كثرت أسماء هذه الأشياء عند العرب ، واتسعت فيها على مقدار ملابستهم لجنس منها وكثرة إخبارهم عن ذلك الجنس كالأسد والذئب والثعلب والضبع ، فإن لها عندهم آثارا تكثر بها أخبارهم عنها ، فيفتنون في أسمائهم وكناها ، ولأن إقامتهم في البوادي ، وكونهم في البراري ، قد تقع أعينهم فيها على طير غريب ، ووحش ظريف ، ويرون من دواب الأرض وهوامها وأجناسها ما لا اسم له عندهم ، فيسمونه باسم يشتقونه من خلقته أو فعله أو من بعض ما يشبهه ، أو غير ذلك ، أو يضيفونه إلى شيء على ذلك المنهاج ، ويلقبونهم كفعلهم بالناس.
واعلم أن تلقيب هذه الأشياء وتسميتها بهذه الأسماء المعارف في مذهب سيبويه ، دلالة على الاسم وبعض صفاته وخواصه ، ألا تراه قال : " فكأنهم إذا قالوا : هذا ابن قترة فقد قالوا : هذا الحية الذي من أمره كذا وكذا".
وكان المبرد يذهب إلى أن أوبر نكرة ، ويحتج بدخول الألف واللام عليه.
قال بعض الشعراء :
* ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا |
|
ولقد نهيتك من بنات الأوبر (١) |
وليس هذا بحجة لأنه أدخل الألف واللام ضرورة.
كما قال أبو النجم :
* باعد أم العمر من أسيرها (٢)
وكقول الآخر :
__________________
(١) المقتضب ٤ / ٤٨ ، ومجالس ثعلب ٢ / ٥٥٦ ، وشرح السيرافي ٣ / ٢٩٣ ، ٤٢٦ ، ومغني اللبيب ١ / ٧٥ ، ٢٩١ ، وشرح ابن عقيل ١ / ١٨١ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٦٦ ، والمقاصد النحوية ١ / ٤٩٨.
(٢) المقتضب ٤ / ٤٩ ، وشرح السيرافي ٣ / ٤٢٦ ، والجنى الداني ١٩٨ ، وشرح المفصل ١ / ٣٨ ، ومغني اللبيب ١ / ٧٥ ، وشرح ابن عقيل ١ / ١٨١ ، وشرح شواهد المغني (١ / ١٨ ، ١٦٣) ، والهمع ١ / ٨٠.