وليست بمنزلة إن المكسورة ولكن المشددة ، لأن إن المكسورة و" لكن" المشددة يدخلان على المبتدأ ولا يغيران معناه ، فإذا خففتا كان الاسم بعدهما مبتدأ ولم يحتج إلى تقدير اسم لهما محذوف. وليست" أن" المفتوحة كذلك لأنها في صلة شيء قبلها ولا يبتدأ بها ، وليس الاسم بعدها في موضع مبتدأ فتسقط هي في التقدير ، ألا ترى أن قوله عز وجل : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) [المزمل : ٢٠] لو أسقطت" أن" لم يصلح : علم سيكون منكم مرضى ، وكذلك قوله : في فتية كسيوف الهند قد علموا أن هالك كل من يحفى وينتعل.
لو أسقطت" أن" لم ترفع" كل" ، و" كأن" كذلك لم تتضمنه من معنى التشبيه والكاف داخلة على" أن" وليس كذلك" إن" المكسورة و" لكن" ، لأنها لا يقع عليها شيء قبلها ، وهذه الحروف إذا دخلت عليها" ما" كفتها عن العمل.
وأنشد لابن كراع :
* تحلل وعالج ذات نفسك وانظرن |
|
أبا جعل لعلما أنت حالم (١) |
فرفع ما بعد لعل لدخول ما.
هذا باب ما يحسن عليه السكوت في هذه الأحرف الخمسة
لإضمارك ما يكون مستقرّا
وذلك قولك : إن مالا وإن ولدا ... أي : إن لهم مالا وإن لهم ولدا
وقال الأعشى :
* إن محلّا وإن مرتحلا |
|
وإن في السفر ما مضى مثلا (٢) |
معناه إن لنا محلّا ، يعني في الدنيا ما عشنا وإن لنا مرتحلا إلى الآخرة إذا فنينا ، والسفر :
المسافرون ، يعني به من مات.
وقوله : مثلا أي : من مات وفنى فهو مثال لمن عاش وبقى يفنى كما يفنى ويروى : إذ مضى مهلا أي : مهلة لمن بقى بعدهم أي يستعد ويصلح من شأنه. وقيل : معنى مهلا ذهابا لا يرجعون ـ وقيل : معنى في السفر مهلا أي من قدم لآخرته فاز وظفر. والمهل : السبق.
وأنشد في مثل هذا :
* يا ليت أيام الصبا رواجعا
__________________
(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٨٣ ، شرح النحاس ١٩٩ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٩٤ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥٧٠ ، فرحة الأديب ١٢٤ ، شرح المفصل (٥٤٨ ، ٥٨ ، ١٣١).
(٢) ديوان الأعشى ١٥٥ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٨٤ (مهات) ، المقتضب ٤ / ١٣٠ ، شرح النحاس ٢٠٠ ، المسائل البغداديات ٤٣٠ ، شرح السيرافي ٣ / ٤٩٧ الخصائص ٢ / ٢٧٣ ، ودلائل الإعجاز ٣٢١ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٦١٢ ، الهمع ١ / ١٣٦ ، الخزانة ١٠ / ٤٥٢.