تقديره : ياليت لنا أيام الصبا في حال رجوع ، أو يا ليت أيام الصبا أقبلت رواجعا.
وذكر سيبويه أن العرب كثر استعمالهم للقرب ظرفا ، وقل استعمالهم للبعيد على معنى الظرف ، ثم قال : " فالدنو أشد تمكنا في الظروف من البعد".
وإنما صار" الدنو" أمكن في الظروف ، لأن الظروف موضوعة على القرب ،
أو على أن يكون ابتداؤها من قرب ، فأما الموضوع على القرب" فعند" و" لدن" وما كان في معناهما.
وأما ما يكون ابتداؤه من قرب ، فالجهات المحيطة بالأشياء : كخلف وقدام ويمنة ويسرة ، وفوق وتحت ، لأنك إذا قلت : (زيد خلف عمرو) فهذا مطلوب خلفه من أقرب ما يليه إلى ما لا نهاية له ، والبعد لا نهاية له ولا حد لأوله ، معلوم كعلم حدود الجهات الست.
ويقوى هذا ويكشفه أنك إذا قلت : قربك زيد ، طلبه المخاطب في ما قرب منه ، وذلك ممكن مفهوم كما تقول : عندك زيد ، وإذا قلت : خلفك زيد ابتدأ بما يليه من خلفه في موضع استقرار طلبا له ، وإذا قلت : بعدك زيد لم يكن ذلك فيه.
هذا باب ما يكون محمولا على إن فيشارك فيها الاسم الذي وليها
ويكون محمولا على الابتداء
وذلك قولك : إن زيدا منطلق وعمرا وعمرو
وأنشد لرؤبة في حمله على المنصوب :
* إن الربيع الجود والخريفا |
|
يدا أبي العباس والصيوفا (١) |
فعطف الصيوف على الربيع. والجود : المطر الغزير.
وأنشد أيضا لجرير :
* إن الخلافة والنبوة فيهم |
|
والمكرمات وسادة أطهار (٢) |
فحمل : المكرمات وما بعدها على موضع إن أو على الابتداء وإضمار الخبر.
واعترض المبرد على سيبويه في قوله في هذا الباب.
" ولكن المثقلة في جميع الكلام بمنزلة إن"
فقال : تدخل اللام في خبر إن ولا تدخلها في خبر لكن والذي أراده سيبويه أن" لكن" بمنزلة" إن" في العطف الذي ساق الكلام عليه ، وسياق الكلام يدل على إرادته وإنما تدخل اللام على" لكن" لأنها استدراك شيء مما قبلها ، ولا تقع في أول الكلام ، و" إن" تدخل في أول الكلام واللام تقدر قبلها ، فخلفت" لكن"" إن" في دخول اللام لهذا المعنى.
__________________
(١) ملحقات ديوان رؤبة ١٧٩ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٨٥ لرؤبة ، المقتضب ٤ / ١١١ ، شرح السيرافي ٣ / ٥٠٢ ، الهمع ٢ / ١٤٤ ، المقاصد النحوية ٢ / ٢٦١.
(٢) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٨٦ ، شرح السيرافي ٣ / ٥٠٤ ، الهمع ٢ / ١٤٤ ، المقاصد النحوية ٢ / ٢٦١.