تبنى على السكون ، و" خمسة عشر" على الحركة ، فجعل في" كم" الفصل للانتهاء في الخروج عن التمكن.
وذكر أن" كم تنصب في الاستفهام ، وتخفض في الخبر".
فإن قال قائل : لم صارت التي للاستفهام أولى بالنصب والأخرى أولى بالخفض؟
قيل له : إن التي في الخبر تضارع" رب" وهي حرف ، فلما وجب للتي تضارع" رب" الخفض بالمضارعة ، وجب للأخرى النصب ، لأن العدد إنما عمل نصبا أو خفضا. ومما يقوي ذلك أن الاستفهام مضارع للفعل ، والفعل له ناصب ، فلذلك جعلت بمنزلة ما ينصب.
واعلم أن بعض العرب ينصب بها في الخبر حملا على الاستفهام وهو الأصل ، لأن" كم" عدد مبهم ، فأصلها الاستفهام ، لأن المستفهم يحتاج أن يبهم ليشرح له ما يسأل عنه ، وليس الأصل في الإخبار الإبهام ، فإذا نصب بها في الخبر ، جاز أن يكون المنصوب جماعة ، لأن معناها وهي ناصبة في الخبر ، كمعناها خافضة ، فصار كقولك : مائتين عاما ، وثلاثة أثوابا إذا نون ضرورة.
قوله : " ولم يرد من المسئول أن يفسر".
أي على السائل أن يفسر فيقول : كم درهما أو دينارا لك؟
فيقول المسئول : عشرون أو ثلاثون ، وإن شاء قال : عشرون درهما أو ثلاثون درهما ، وأتى بالنوع توكيدا ، وإذا حذفه ، دل الكلام عليه ، لأن السائل قد ذكره ، فلا اضطرار بالمجيب إلى ذكره ولو لم يبين السائل النوع لم يدر المسئول بأي شيء يجيبه.
ومعنى قوله : " ولو أراد المسئول عن ذلك أن ينصب عبدا أو عبدين خرج عن حد الجواب وصار سائلا ، لأنه إذا نصب ، فإنما ينصب بكم ، والذي يلفظ بكم هو سائل ، فإذا أظهرها فقال في جوابه : كم عبدا وكم عبدين؟ فقد أحال ، لأنه يسأل وحقه أن يجيب ، وإن لم يظهر" كم" فلا بد من أن يقدرها مضمرة ، فيشارك من أظهرها ويزيد عليه في إعمالها مضمرة وهي وأمثالها لا تضمر لضعفها.
وبين سيبويه في آخر الباب أن" كم" اسم ، و" رب" حرف بأن جاء" لكم" بخبر المبتدأ كقول : كم غلاما لك ذاهب؟ وكذا ، كم مأخوذ بك؟ وتقديره : كم رجلا مأخوذ بك؟ ، ولو نصب" ذاهب" على الحال لجاز ، ولا يجوز نصب" مأخوذ" ، لأن الكلام لا يتم دونه ولا يجوز في" رب" أن تقول : رب مأخوذ بك لأنها حرف فلا يخبر به.
وأنشد في ما فصل في العدد عن التمييز ضرورة :
* على أنني بعد ما قد مضى |
|
ثلاثون للهجر حولا كميلا |
يذكرنيك حنين العجول |
|
ونوح الحمامة تدعو هديلا |