فروسيته فيقع له المدح والتعجب بهذا ، وقد يكون مذموما ومقصرا في غيره ، فلذلك انتصب على التمييز ، لأن الأول المذكور يقتضيه فتبينه به ، وهو يشبه باب نعم رجلا وبئس غلاما.
قال : ومثل ذلك قول عباس بن مرداس :
* ومرهة يحميهم إذا تبددوا |
|
ويطعنهم شزرا فأبرحت فارسا (١) |
وأنشد للأعشى :
* فأبرحت ربا وأبرحت جارا (٢)
وأول البيت :
تقول ابنتي حين جد الرحيل |
|
فأبرحت ربا وأبرحت جارا |
قوله : أبرحت فارسا أي : بالغت في الفروسية وأفرطت ، ومنه برح به : إذا بالغ في الشدة عليه ، وقيل : معنى أبرحت ربا وأبرحت جارا أي أعظمت وأكرمت ، أي : اخترت ربا كريما وجارا عظيم القدر ، يعني : الممدوح الذي رحل إليه.
هذا باب ما لا يعمل في المعروف إلا مضمرا
وذلك أنهم بدأوا بالإضمار لأنهم شرطوا التفسير ... وذلك قولهم : نعم رجلا عبد الله ، كأنك قلت : حسبك به رجلا .. ومثل ذلك : ربه رجلا.
اعلم أن باب نعم وبئس يلزمه ذكر شيئين : أحدهما : الاسم الذي يستحق به المدح أو الذم ، والآخر : الممدوح أو المذموم ، وذلك قولك : نعم الرجل زيد ، وبئس القادم غلامك ، فالاسم الذي يستحق به المدح أو الذم هو الاسم الذي تعمل فيه نعم وبئس والمستحق لهذا هو : زيد والغلام ، فلا بد من الإتيان بهما جميعا إلا أن يتقدم ذكر الممدوح والمذموم فتحذفهما لما جرى من ذكرهما.
ورد المبرد على سيبويه ترجمة الباب ، وألزمه المناقضة فيها لأنه قال :
__________________
(١) ديوانه ٧١ من قصيدة قالها في الجاهلية قبل إسلامه وهي في الأصمعيات ٢٠٦ ورواية البيت (وقرة يحميهم) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٩٩ ، المقتضب ٢ / ١٥١ وبه (يرميهم) موضع (يحميهم) ، شرح النحاس ٢١٠ ، شرح السيرافي ٣ / ٥٤٥ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥٠٧ ، همع الهوامع ٢ / ٩٠ ، الخزانة ٨ / ٣٢١ قال الأعلم : الشاهد فيه نصب فارس على التمييز للنوع الذي أوجب له فيه المدح.
(٢) ديوانه للأعشى ٣٧ ، الكتاب ١ / ٢٩٩ وذكر الأعلم عجز البيت وشرحه ثم ذكر صدره وهذا يدل على أن رواية الكتاب كانت العجز وحده وألحق الصدر من بعد وانظر الطبعة المحققة ٢ / ١٧٢ حيث ورد العجز وحده ـ نوادر أبي زيد ٥٥ / ، شرح النحاس ٢١١ ، شرح السيرافي ٣ / ٥٤٥ الخزانة ٣ / ٣٠٢ ، وأورد البغدادي في صدر البيت روايتين هما : (تقول لي حين حان الرحيل) و (أقول لها حين جد الرحيل) قال الأعلم : الشاهد فيه نصب رب وجار على التمييز والمعنى أبرحت من رب ومن جار أي بلغت الفضل في هذا النوع.