" هذا باب ما لا يعمل في المعروف إلا مضمرا"
ثم جاء بعده نعم الرجل عبد الله فجاء بالرجل مظهرا.
والذي أراده سيبويه : أنه لا يعمل في المعروف إلا مضمرا إذا بني ذلك المعروف ، وعلى أن يفسر بما بعده وشبهه بقولك : إنه كرام قومك ، فالهاء إضمار الحديث الذي يأتي بعده ، ولا يجيء إلا مضمرا لأنه قد لزمه التفسير ، وكذلك الاسم الذي يعمل فيه نعم ـ وبني على التفسير ـ لا يكون إلا مضمرا.
واعلم أنك إذا قلت : ربه رجلا ، فليست الهاء بضمير شيء جرى ذكره ، ولو كانت كذلك لصارت معرفة ولم يجز أن تلي رب لأنه لا يليها إلا نكرة ، ولكنها ضمير مبهم يحتاج إلى التفسير بغيره ، فضارع النكرات إذ كان لا يخص كما أن النكرات لا تخص.
ومعنى ربه رجلا : رب رجل ، وقال الزجاج : معناه : أقلل به في الرجال.
وأنشد سيبويه :
* هل تعرف الدار يعفيها المور |
|
والدجن يوما والسحاب المهمور |
لكل ريح فيه ذيل مسفور (١) |
استشهد بهذا لأن الضمير المتصل بفيه راجع على الدار ، والدار مؤنثة ، وجاز ذلك لأنها بمعنى المكان ، ومثل هذا قولهم : هذا البلد نعم الدار ، فذكر نعم لأن الدار بمعنى البلد.
وذكر سيبويه في هذا الباب" حبذا" لأن معناها ومعنى نعم في المدح والثناء سواء ، فإذا قلت : حبذا زيد فمعناه : المحمود زيد وحب : فعل ، ذا : فاعله ، وبني معه وجعلا بمنزلة شيء واحد يقع موقع اسم مبتدأ في الواحد والاثنين والجماعة والمذكر والمؤنث بلفظ واحد ، نحو" هلم" في لغة أهل الحجاز ، لأنهم يجرونه في جميع الكلام مجرى واحدا ، كقوله تبارك وتعالى : (هَلُمَّ إِلَيْنا) [الأحزاب : ١٨].
وأنشد سيبويه للراعي في ما أتى على معنى التعجب :
* فأومأت إيماء خفيّا لحبتر |
|
ولله عينا حبتر أيما فتى (٢) |
والمعنى : أيما فتى هو. وإنما جاء به مع" حبذا" لأن فيه معنى التعجب من الفتوة ، كما كان في حبذا : معنى التعجب.
__________________
(١) الكتاب ١ / ٣٠٢ ، وشرح الأعلم ، نوادر أبي زيد ٢٣٦ ، شرح النحاس ٢١٢ ، شرح السيرافي ٣ / ٥٥١ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٢٣.
(٢) ديوانه ١٧٧ ، الكتاب وشرح الأعلم ٣٠٢ ، الكامل ٤ / ٤٣ ، شرح النحاس ٢١٢ ، شرح السيرافي ٣ / ٥٥٢ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٢٤٢ ، شرح ابن عقيل ٣ / ٦٥.