فبراح : اسم" لا" ، وخبرها محذوف كما يحذف وهي ناصبة.
واعلم أنه لا يجوز أن تقول : " لا زيد عندي" من غير تكرير" لا" وذلك أن قولك : " لا زيد عندي" إنما هو جواب من قال : أزيد عندك؟ فكان حق الجواب أن يقول المجيب : نعم ، إن كان عنده ، أو : لا إن لم يكن عنده. ولا يزيد شيئا على" لا" كما لا يزيد شيئا على" نعم". وإن كرر ، فهو جواب كلام لا يجوز في جوابه" لا" ولا" نعم" لأنه جواب قولك : أزيد عندك أو عمرو؟.
وأغلام عندك أم جارية؟ ، وهو سؤال موضوع على أن السائل قد علم أن أحدهما عنده ، وإنما يسأل عن تعيينه. فإن كان الأمر كما اعتقده السائل ، فالجواب أن يقول : زيد ، أو يقول : عمرو ، وأن تقول : غلام ، أو تقول : جارية. وإن لم يكن كما اعتقد السائل ولم يكن عنده واحد منهما ، قال : لا غلام عندي ولا جارية ، ولا زيد عندي ولا عمرو ، فلذلك خالف التكرير الإفراد.
وقد أجاز سيبويه الإفراد في الشعر وأنشد :
* بكت جزعا واسترجعت ثم آذنت |
|
ركائبها أن لا إلينا رجوعها (١) |
لأن المعنى الموجب منه لا يحتاج إلى تكرير. لو قال : " إنه إلينا رجوعها" ، لكان كلاما حسنا ، فدخلت" لا" لمعنى الجحد ، ولم تغير لفظ الموجب.
وأنشد :
* ورد جازرهم حرفا مصرمة |
|
ولا كريم من الولدان مصبوح (٢) |
رفع" مصبوحا" لأنه خبر" لا". والحرف : الناقة الضامر ، وقيل : هي العظيمة الخلق كحرف الجبل. والمصرمة : التي لا لبن لها. والمصبوح : الذي سقي صبوحا وهو شرب الغداة.
والمعنى : أنهم نحروا هذه الناقة للأضياف في شدة الزمان حيث لا يصبح الكريم من الولدان.
وأنشد أيضا :
* فرطن فلا رد لما بتّ فانقضى |
|
ولكن بغوض أن يقال عديم (٣) |
ذكر الشباب والقوة وغير ذلك ، فقال : فرطن ، أي ذهبن وتقدمن فلا رد لهن أي : فليس يرجعن ، ولكن بغوض أن يقال عدم شبابه.
و" بغوض" على تكثير الفعل مثل" ضروب" و" شروب" ، ويروى" بغيض" وهو اسم
__________________
(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٥٥ ، المقتضب ٤ / ٣١٦.
(٢) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٥٦ ، المقتضب ٤ / ٣٧٠ ، شرح السيرافي ٤ / ٤٥ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٥٧٣ ، فرحة الأديب ١٢٦ ، المقتصد ٢ / ٨٠٣ ، شرح المفصل ١ / ١٠٤.
(٣) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٥٥ ، شرح السيرافي ٤ / ٤٤.