فرفع" سلاما" بالابتداء ، ولم يلزمه تكريره لأنه في المعنى بدل من الفعل ، كأنه قال : " لا سلام الله على عمرو" ، فكما لا يلزم تكرير" لا" مع الفعل كذلك لا يلزم تكريرها مع جعل بدلا من الفعل.
وقال المبرد : الأفعال وقعت موقع الأسماء النكرات التي تنصبها لا وتبنى معها فلما أن وقعت الأفعال في موضع النكرات لم يحتج إلى تكريرها ولم يجز أن تبنى مع" لا" لأنها ليست بأسماء.
ولو قدرتها تقدير : لا رجل في الدار ولا غلام لقلت : لا يقوم زيد ولا يقعد وصارت جوابا لقوله : أيقوم زيد أم يقعد؟.
والذي احتج به المبرد ، لا يصح على موضع أكثر النحويين لأنهم يقولون عوامل الأسماء لا تدخل على الأفعال. والصحيح أن" لا" الواقعة على الفعل لا يلزمها التكرير لأنها جواب يمين ، واليمين قد تقع على فعل واحد مجحود فلا يجب فيها تكرير" لا" كقولك : والله لا أخرج إلى البصرة.
ووجه آخر أيضا وهو أن" لا أفعل" نقيض" لأفعلن" ، فمن حيث لم يجب ضم فعل آخر إلى" لأفعلن" ، لم يجب ذلك في نقيضه.
قال : واعلم أن" لا" قد تكون بمنزلة اسم واحد هي والمضاف إليه كقولك : أخذته بلا ذنب وغضبت من لا شيء.
ومن هذا النحو قول الشاعر :
* تركتني حين لا مال أعيش به |
|
وحين جن زمان الناس أو كلبا (١) |
معنى كلب : اشتد ، ومن هذا قولهم : كلب كلب : للشديد الجرأة.
وقوله : " أخذته بغير ذنب" وكذلك : " جئت بغير شيء".
لا يراد به : جئت بشيء هو غير شيء ، وإنما يراد به جئت خاليا من شيء معك ، وهذا معنى قول سيبويه : " رائقا" ، لأن الرائق : الخالي ، واشتقاقة من راق الشراب ، أي : صفا ، كأنه جاء ولم يعلق به شيء سوى نفسه.
ومما أنشد أيضا :
* حنت قلوصي حين لا حين محن (٢)
" حين" منصوب ب" لا" ، كقولك : لا مثل زيد ، وخبره محذوف و" حين" الأول
__________________
(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٥٧ ، الكتاب ٢ / ٣٠٣ ، شرح السيرافي ٤ / ٥٣ ، الهمع ١ / ٢١٨ الخزانة ٤ / ٣٩.
(٢) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٥٨. المقتضب ٤ / ٣٥٨ ، شرح السيرافي ٤ / ٥٤ ، شرح عيون الكتاب ١٧٦ ، الخزانة ٤ / ٤٥.