قال الزجاج : كأنه قال : لم يغذها إلا اللحم ، وذكر الرسل توكيدا ، والرسل : اللبن.
والأيسار : أصحاب الميسر.
يصف امرأة. وإنما أبعد عنها أن تتغذى بلحم الميسر ؛ لأنه لا يأكل منه إلا الضعيف الصغير فيهم.
وأنشد :
* عشية لا تغني الرماح مكانها |
|
ولا النبل إلا المشرفي المصمم (١) |
" المشرفي" بدل من" النبل" و" الرماح" وهو السيف. والمصمم : النافذ الماضي.
وجعل سيبويه هذه الأبيات تقوية لقوله :
" ما أتاني زيد إلا عمرو" ، وما أعانه إخوانكم إلا إخوانه ، فجاز في هذا البدل كما أجازه في الأبيات.
هذا باب ما لا يكون إلا على معنى ولكن
هذا الباب مخالف الذي قبله في لغة بني تميم ، لأنه لا يمكن فيه البدل ، ولا حذف الاسم الأول منه في التقدير ، كما أمكن في قولهم : ما فيها أحد إلا حمار على الوجهين اللذين تقدما. فمن ذلك قول الله عز وجل : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) [هود : ٤٣] يعني من رحمه الله تعالى ، ومن رحمه الله معصوم ولا يمكن البدل فيه ، لأنه لا يقال : إلا اليوم من أمر الله إلا من رحم. وقد قيل : لا عاصم بمعنى لا معصوم وهذا ضعيف لا يعتد به ، ولا يجيء مثل هذا إلا في الشعر كقوله :
* لقد عيل الأيتام طعنة ناشرة |
|
أناشر لا زالت يمينك آشره (٢) |
أي : مأشورة.
وأجود من هذا أن يكون" من رحم" ، هو الله ، لأنه الراحم ، وكأنه قال : لا عاصم اليوم لهم إلا الله. وأما قوله تعالى : (فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً) [هود : ١١٦] فلا يجوز فيه البدل ، لأن لو لا للاستبطاء والتحضيض ، وفي معنى : لو فعلت ذلك لكان أصلح ، وهذه أشياء تجري مجرى الأمر ، وفعلا الشرط ، ولا يجوز في شيء من ذلك البدل لو قلت : ليقم القوم إلا زيد لم يجز ، كما لا يجوز
__________________
(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٦٦ ، شرح النحاس ٢٤٤ ، شرح السيرافي ٤ / ٩٩ ، ١٠٣ ، شرح الرماني ٣٨٨ ، ٣٨٣ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ١٢٨ ، فرحة الأديب (١١٣ ـ ١١٥) ، حاشية الصبان ٢ / ١٤٧ ، الخزانة ٣ / ٣١٨ ، المقاصد النحوية ٣ / ١٠٩.
(٢) ورد البيت في الخصائص ١ / ١٥٢ ، اللسان (أشر) ٤ / ٢١ ، ذكر هذا ابن السيرافي في شرح شواهد إصلاح المنطق ١ / ٣٣.