ليقم إلا زيد. وكذلك إن قلت : إن قام أحد إلا زيد ، ولو قام أحد إلا زيد لم يجز ، كما لا يجوز : إن قام إلا زيد ولو قام إلا زيد ، ولا يجوز فيه الاستثناء الذي هو إخراج جزء من جملة هو منها ، لأن المقصد في ذلك إلى قوم من الكفار طبعوا على الكفر به ولم يكن فيهم مؤمنون ، فقبح فعلهم ، ثم ذكر قوما مؤمنين باينوا طريقتهم فمدحهم.
ومعنى : " أولوا بقية" : أولوا خير وصلاح. ويجوز في هذا ونحوه الرفع على الصفة ، فيكون بمنزلة قوله : إلا الفرقدان.
وقوله : " لا تكونن من فلان في شيء إلا سلاما بسلام.
معنى سلاما هنا : متاركة ومبارأة ، كأنه قال : لا تخالطنه إلا متاركة.
وليست المتاركة من المخالطة في شيء ، فصار المعنى : لا تخالطنه ولكن تاركه.
وأنشد للنابغة :
* ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم |
|
بهن فلول من قراع الكتائب (١) |
فنصب" غير" على الاستثناء المنقطع ، لأن فلول سيوفهم ـ من مقارعة الكتائب ومضاربة الأقران ـ ليس بعيب.
وقد يحتمل في لغة بني تميم رفع" غير" كما يقول القائل : (لا عيب في زيد إلا الجود) و (لا عيب فيه إلا الشجاعة) وكقوله : (عتابك السيف وتحيتك الضرب)
وأنشد للجعدي :
* فتى كملت خيراته غير أنه |
|
جواد فما يبقي من الجود باقيا (٢) |
فهذا معنى استثناء على معنى لكنه جواد.
فإن قال قائل : " لكن" فيها مخالفة ما بعدها لما قبلها ، فإذا قدرت هذا : لكنه جواد ، فكيف يخالف قوله : كملت خيراته؟
فالجواب عن ذلك : أنه ذهب إلى معنى : لكن عيبه الجود ، كما يقول القائل عيب زيد جوده على معنى : ليس فيه عيب ، لأن الجود ليس بعيب ، كأنه قال : كملت خيراته لكن نقصه
__________________
(١) ديوان النابغة ٦ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٦٧ ، الكامل ١ / ٣٤٦ ، شرح النحاس ٢٤٤ ، شرح السيرافي ٤ / ١٠٥ ، شرح الرماني ٣٩١ ـ ٣٩٥ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٥١ ، شرح الحماسة للأعلم ١ / ٤٤٧ ، الاستغناء (٤٤٩ ، ٤٦٨ ، ٥١٥) مغني اللبيب ١ / ١٥٥.
(٢) ديوان النابغة الجعدي ١٧٣ ، الكتاب وشرح الأعلم (من المال) ١ / ٣٦٧ ، شرح النحاس ٢٤٥ ، أمالي القالي ٢ / ٢ ، شرح السيرافي (٤ / ١٠٥ ـ ١١٠) ، شرح الرماني (٣٩٥ ، ٣٩١) ، شرح ابن السيرافي ٢ / ١٦٢ ، شرح الحماسة للأعلم ١ / ٤٤٧ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٦١٤ ، همع الهوامع ١ / ٢٣٤ ، الخزانة ٣ / ٣٣٤ ، اللسان (وحح) ٢ / ٣٦١.