والوجه الثاني : في رفعهما : أن تجعل (غير واحدة) استثناء ، كأنه قال : (وما بالمدينة إلا دار واحدة) ، كأنه لم يعد دور المدينة دورا استصغارا لها ، وتقديره : ما بالمدينة إلا دار واحدة ، هي دار الخليفة ، ثم يبدل (دار مروان) منها ، لأن داره هي دار الخليفة ، فيكون بمنزلة قولك : (ما أتاني إلا زيد إلا أبو عبد الله) إذا كان أبو عبد الله هو زيد.
فإذا رفع أحدهما ونصب الآخر ، فهما مستثنيان بمنزلة قولك : (ما أتاني أحد إلا زيدا وعمرو ، وإلا زيد إلا عمرا).
وإذا نصبا جميعا فعلى الاستثناء ، لأن الكلام قد تم بقوله : ما بالمدينة دار ، كما تقول : (ما أتاني أحد إلا زيدا إلا عمرا) ، فتستثنيها جميعا.
وأنشد سيبويه :
* ما لك من شخصك إلا عمله |
|
إلا رسيمه وإلا رمله (١) |
استشهد بهذا على قولك : (ما أتاني إلا زيد إلا أبو عبد الله) فأبو عبد الله : زيدا ، وهو بدل منه ، فعلى هذا يكون" الرسيم" و" الرمل" بدلا من" العمل" لأنهما : العمل ويجوز أن يكون على بدل البعض من الكل ، لأن الرسيم و" الرمل" بعض"" العمل" والرسيم والرمل : ضربان من المشي يستعملان في الطوف والسعي ، فالرمل في الطواف والرسيم في السعي بين الصفا والمروة
هذا باب ما يكون مبتدأ بعد إلا
وذلك قولك : ما مررت بأحد إلا زيد خير منه
فقولك : زيد خير منه : جملة في موضع النعت لأحد ، وإلا معترضة بينهما كاعتراضها بين الحال وصاحبها في ما تقدم.
قال : " ومثل ذلك قول العرب : والله لأفعلن كذا وكذا إلا حل ذلك أن أفعل كذا وكذا".
" حلّ" : مبتدأ وأن : خبره ، وإلا في موضع لكن ، وإنما دخلت بمعنى لكن لأن ما بعدها مخالف لما قبلها ، وذلك أن قوله : (والله لأفعلن كذا) عقد يمين عقده على نفسه ، وحله : إبطاله ونقضه ، كأنه قال : علي فعل كذا معقود ، ولكن بطلان العقد كذا ، وهذا مذهب" لكن" ومعناه.
قوله : " والله لا أفعل إلا أن تفعل"
تقديره : لا أفعل إلا بعد فعلك ، وإلا مع فعلك.
فأن وما بعدها منصوبة على الظرف ، وتقديرها تقدير مصدر وضع مع ظرف زمان.
__________________
(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٧٤ ، شرح النحاس ٢٠٢ ، شرح السيرافي ٤ / ١٣٥ ، شرح الرماني (٤٢٠ ، ٤٢٣) الهمع ١ / ٢٢٧ ، حاشية الصبان ٢ / ١٥١ ، المقاصد النحوية ٤ / ١١٧.