فالجواب أن الكلام على ضربين : كلام ملحون ، وكلام غير ملحون. والملحون هو الذي لحن فيه عن القصد ، أي : عدل عن وجهه إلى غيره. وما لم يكن ملحونا : فهو على القصد وعلى النحو ، ومن ذلك سمي النحوي نحويّا.
فالمستقيم من طريق النحو ، هو ما كان على القصد سالما من اللحن ، فإذا قلت : قد زيدا رأيت ، فهو سالم من اللحن ، فكان مستقيما من هذه الجهة وهو مع ذلك موضوع في غير موضعه ، فهو قبيح من هذه الجهة.
قال الأخفش : ومنه الخطأ ، وهو ما لا يتعمده نحو قولك : ضربت زيدا. هذا من جهة اللفظ مستقيم ، فيقال فيه على قياس ما مضى من الباب : مستقيم كذب ومستقيم قبيح ، إلا أن سيبويه لم يذكر هذا القسم لأن لفظه لا يدل على أنه خطأ ، وإنما ظاهره أنه صواب ، وإنما حكى سيبويه أقساما ظاهرها دال على ما قصد بها فاعلم.
باب ما يحتمل الشعر
اعلم أن سيبويه ذكر في الباب جملة من ضرورة الشعر ليرى الفرق بين الكلام والشعر ، ولم يتقصه ؛ لأنه لم يكن غرضه القصد إلى ذلك نفسه ، وإنما أراد أن يصل الباب بالأبواب التي تقدمت فيما يعرض في كلام العرب ومذهبهم في الكلام المنظوم والمنثور ، ونبين ضرورة الشعر مقسمة بأقسامها حتى يكون الشاذ منها مستدلّا عليه بما نذكره إن شاء الله.
اعلم أن ضرورة الشعر تسعة أوجه وهي :
الزيادة ، والنقصان ، والحذف ، والتقديم ، والتأخير ، والإبدال ، وتغيير وجه من الإعراب إلى وجه آخر على طريق التشبيه ، وتأنيث المذكر ، وتذكير المؤنث.
فمن الزيادة : ما يزداد في القوافي للإطلاق ، وهي الواو بعد الضمة ، والياء بعد الكسرة ، والألف بعد الفتحة.
ويجوز أن يجعل مكان الواو والياء والألف والنون.
والنون لا يوقف عليها إلا في قوافي الشعر. وأما حروف المد فقد يوقف عليهن في الكلام عوضا من التنوين ، كقولك : هذا زيدو ، ومررت بزيدي ، ورأيت زيدا.
وإنما زيدت هذه الزيادة في الشعر في القوافي ؛ لأنهم يترنمون به ويحدون ، ويقع فيه تطريب لا يتم إلا بمد الحرف.
وقد شبهوا مقاطع الكلام المشجع بالشعر في زيادة هذه الحروف حتى جاء ذلك في أواخر الآي من القرآن الكريم ، كقوله عز وجل : (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) [الأحزاب ٦٧].
ومن ذلك صرف ما لا ينصرف ؛ لأن الأسماء أصلها الصرف ودخول التنوين فإذا اضطر شاعر ردها إلى أصلها. والدليل على ذلك أن ما لا أصل له في التنوين ، لا يجوز