كما قالوا : تراكها ومناعها (١) لأنهما وضعا موضع : اتركها وامنعها ، وهما أقوى من تركا ومنعا ، وذلك رويد في قيامه مقام الفعل أقوى من أرود.
ـ وبعدهما" عليك" وهي أقوى في الفصل : يجوز" عليكه" وعليك إياه وإنما جاز انفصال الضمير لأنه بالإضافة إلى الكاف قد أشبه المصدر المضاف نحو : ضربتك إياي ، وضربكني.
وباقي الباب مستغني عن التفسير.
هذا باب ما يجوز في الشعر من إيا" ولا يجوز في الكلام
من ذلك قول حميد الأرقط :
* إليك حتى بلغت إياكا (٢)
هذا عند سيبويه ضرورة.
وكان الزجاج يقول : أراد بلغتك إياك وهذا لا يخرجه من الضرورة ، لأنه إن أراد الكاف وحذفها ، فهو ضرورة ، ولو أخرجه هذا التقدير عن الضرورة لجاز : ضربت إياك على تقديره.
وأنشد سيبويه لبعض اللصوص :
* كأنا يوم قرّي إنّما نقتل إيّانا
هذا أقل ضرورة ، وذلك لأنه لا يمكنه أن يأتي بالضمير المتصل فيقول نقتلنا ، لأنه لا يتعدى فعله إلى ضميره ، وكان حقه أن يقول : " أنفسنا" فجعل" إيانا" مكان" أنفسنا" لاشتراكها في الانفصال.
وكان الزجاج يقول : هو محمول على : ما نقتل إلا إيانا ، لأن في" إنما" : تقليل ونفي.
وهذا التقدير لا يخرجه عن الضرورة ، لأنك لو قلت : إنما نخدمك لتحسن إلينا ، لم يجز إنما نخدم إياك إلا في الضرورة.
هذا باب علامة إضمار المجرور
اعلم أن المجرور لا يتقدم على عامله ولا يفصل بينهما. ومن أجل ذلك لم يكن ضمير إلا متصلا بعامله ، فإن عرض أن يعطفه على المجرور ، أو يبدل منه في الاستثناء اقتضى حرف الجر بعد حرف العطف وحرف الاستثناء على ما بين سيبويه في الباب.
__________________
(١) قطعتان من بيتين : تراكها من إبل تراكها ومناعها من إبل مناعها : سيأتي عنهما وتخريجهما ص ١٠٧٤.
(٢) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٨٣ ، شرح النحاس ٢٥٨ ، شرح السيرافي ٤ / ١٨٨ ، الخصائص ١ / ٣٠٧ ، ٢ / ١٩٤ ، ما يجوز للشاعر في الضرورة ٢٢١ ، الإنصاف ٢ / ٦٩٩.