هذا باب إضمار المفعولين اللّذين تعدّى
إليهما فعل الفاعل
كلام سيبويه في هذا الباب بيّن وذكر فيه ما قاسه النحويون من اتصال الضمائر بالفعل وإن اختلف ترتيبها فقبّح ذلك واحتج عليهم بأن ألزمهم أن يقولوا : منحتنيني وذهب المبرد إلى قول النحويين ، وقياسهم واستحسن منحتنيني واستجاده.
فإن قال قائل : ما أنكر سيبويه من منحتنيني وليس فيه تقديم بعيد على قريب؟ وهل سبيل منحتنيني الا سبيل أعطاهوها ، وهو مستحسن عنده؟
قيل له : المنكر من منحتنيني عند سيبويه أن" ني" الثانية مؤخرة وترتيبها : التقديم على كل ضمير ، وليس كذلك أعطاهوها.
وأنشد سيبويه في اتصال الضميرين بالمصدر.
* وقد جعلت نفسي تطيب لضغمة |
|
لضغمهماها يقرع العظم نابها (١) |
هذا البيت لمغلس بن لقيط الأسدي في قصيدة يعاتب فيها رجلين من بني أسد ، ويذكر أخاه لقيط بن لقيط ، وقبل هذا البيت :
سقيتكما قبل التّفرّق شربة |
|
يمر على باغي الظلام شرابها |
وقد جعلت نفسي .... (البيت).
وقوله : لضغمهماها : الضمير المثنى ضمير الرجلين : مدرك ومرة الأسديين وهما ضمير الضغمة التي ذكر والضغم : العض.
هذا باب لا تجوز فيه علامة المضمر المخاطب
ولا المتكلم ولا الغائب
لا يجوز أن تقول : أضربك ولا ضربتك
واعتماد المبرد وغيره في إبطال هذا ونحوه على أن الفاعل بكليته لا يكون مفعولا بكليته ، فأبطلوا من أجله ضربتني وضربتك وما أشبههما.
وهذا كلام إذا فتّش لم يثبت ، وذلك لأن المفعول الصحيح ما اخترعه فاعله وأخرجه من العدم إلى الوجود ، كنحو : خلق الله الأشياء بعد عدمها ، وكنحو : ما يفعله الإنسان من القعود والقيام وغيره. ولا يجوز أن يكون الفاعل في ذلك مفعولا ، لأنه لا بدّ من أن يكون موجودا قبل وجود المفعول ، فإذا قلنا : ضرب زيد عمرا ، فالذي فعله زيد إنما هو الضرب ، لا
__________________
(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٨٤ ، شرح السيرافي ٤ / ١٩٢ ، شرح المفصل ٣ / ١٠٥ ، حاشية الصبان ١ / ١٢١ ، الخزانة ١ / ٣٠٣ ، المقاصد النحوية ١ / ٣٣٣.