فإن قال قائل : وما يكره من هذا ، ومن كلامهم وصف المضمر بالمظهر في قولك : قمتم أجمعون ، ومررت بهم أنفسهم؟
فالجواب أن المضمر لا يوصف بما يعرفه ، وإنما يوصف بما يؤكد عمومه أو عينه ، والظاهر يشارك المضمر في التوكيد بالعموم وبالعين كقولك : مررت بالقوم أجمعين ، ومررت بزيد نفسه ، ويختص الظاهر بالصفة التي هي تحلية عند التباسه بظاهر آخر مثله نحو : مررت بزيد البزاز وما أشبهه.
وقد جرى التوكيد والاختصاص مجرى صفة التحلية في اشتراك الصفة والموصوف في الإعراب والتعريف ، ومن شرط الصفة ألا تكون الصفة أعرف من الموصوف ، فلما كان المضمر أعرف من الظاهر ، لم يجعل توكيدا لظاهر ، لأن التوكيد كالصفة.
وأما البدل ، فإنه يجوز أن يبدل من المضمر ، والمظهر من المضمر ، والمضمر من الظاهر. والفرق بين البدل وبين التوكيد والصفة ، أن الصفة تطلب المشاكلة بينهما وبين الموصوف في التعريف والتنكير. والبدل ليس يطلب ذلك ، لأنه يجوز بدل المعرفة من النكرة والنكرة من المعرفة.
وباقي الباب مفهوم.
هذا باب من البدل أيضا
وذلك قولك : ما رأيته إياه نفسه وضربته إياه قائما
بدأ سيبويه في هذا الباب بالفعل الذي لا يجوز فيه الفصل ويجوز فيه التوكيد والبدل ، وهو كل فعل لم يتعلق باسمين أحدهما هو الآخر. وأما ما يقع فيه الفصل ، فهو : ما كان من الفعل متعلقا باسمين أحدهما خبر عن الآخر ، فيدخل الفصل بعد الأول ليؤذن أن الاسم قد تم وبقي الخبر حسب.
وقد ضمن سيبويه أحكامه ومسائله الباب الذي يلي هذا.
ومعنى قول سيبويه في الباب : ونفسه تجزئ من إياه كما تجزئ منه الصفة.
يريد : أنك إذا قلت : رأيتك نفسك ، أجزأت نفسك عن إياك ويكون معنى رأيتك نفسك ، كمعنى : رأيتك إياك ، وهو : كأنت إذا قلت : رأيتك أنت ، أجزأت" أنت" عن أن تقول : رأيتك أنت إياك لأنهما جميعا للتوكيد ، غير أن" النفس" يجوز أن يؤتى بها مع الضمير الذي مع التوكيد ، فيكون توكيدا ولا يجوز أن يؤتى بضميرين متواليين للتوكيد ، لا تقول : رأيتك أنت إياك.
وقوله : فإن قلت : أظنه هو خيرا منه جاز أن تقول : إياه لأن هذا ليس موضع فصل.
فسر النحويون أن مذهب سيبويه في هذه المسأله جائز ، ولم يجوزوا تقديم" إياه" على