للشاعر تنوينه ، ألا ترى أن الفعل لا ينون عند الضرورة إذ كان أصله غير التنوين. وقد ينون أيضا ما بني من الأسماء التي قد استعملت منونة في حال إذا اضطر الشاعر إليه كقولك : «يا زيد» في الضرورة.
وأجاز الكوفيون والأخفش ترك صرف ما لا ينصرف ، وأباه سيبويه وأكثر البصريين ؛ لأنه ليس لمنع صرف ما ينصرف أصل يرد إليه الاسم. وأنشدوا في ذلك أبياتا كلها يخرج على غير ما تأولوه ، وينشد على غير ما أنشدوه.
وكان بعض النحويين يقول : لو صحت الرواية في ترك صرف ما ينصرف ما كان بأبعد من حذف الواو في قولهم :
* فبيناه يشري رحله (١)
وإنما هو : «فبينا هو» فحذف الواو من «هو» وهي متحركة من نفس الكلمة ، فإذا جاز حذفها ، جاز حذف التنوين الذي هو زائدة للضرورة.
ومن الزيادة : قولهم في الشعر : رأيت جعفرّا ، ومررت بجعفرّ ، وهذا جعفرّ. وإنما شددوا ؛ لأنهم يقولون في الوقف : جعفرّ ليدلوا على أن آخره متحرك في الوصل ؛ لأنهم إذا شددوا اجتمع ساكنان في الوقف ، وقد علم أن الساكنين لا يجتمعان في الوصل ، فشددوا ليدلوا بالتشديد على التحريك في الوصل. فإذا وصلوا ردوا الكلام إلى أصله فقالوا : مررت بجعفر ، وهذا جعفر ، فاعلم.
فإذا اضطر الشاعر إلى تشديده في الوصل شدده وأجراه مجراه في الوقف ، فقال. رأيت جعفرا (ومررت بجعفر ، وهذا جعفر ، ومن الزيادة) : أنهم يزيدون في آخر الاسم نونا مشددة كقولهم في القطن : قطنن. وهذا من أقبح الضرورة.
قال الراجز :
* كأنّ مجرى دمعها المستنّ |
|
قطنة من أجود القطننّ (٢) |
ويروى : «القطن».
ومن الزيادة : زيادة الحركة اتباعا لما قبلها ، كقول زهير بن أبي سلمى :
* ماء بشرقي سلمى فيد أو ركك (٣)
وإنما هو : «رك» ، فحرك الكاف بحركة الراء.
__________________
(١) شرح شواهد الكتاب للأعلم ١ / ١٣. وهو للعجير السلولي.
(٢) نوادر أبي زيد ١٦٨ ، وشرح السيرافي ٢٤٢.
(٣) الكتاب بشرح الأعلم ٨٠ ، الشعر والشعراء ١ / ١٥٢ ، الكامل للمبرد ١ / ١٦١ ، المقتضب ١ / ٢٠٠.