يقال : " سرت غير مرة حتى أدخلها" ، وهذا يعرفونه ، لأنه يحسن في القلب ، ومعناه معنى : " ربما سرت" و" طال ما سرت" ، فأبطل احتجاجهم في النصب إذا تعلقوا بغير القلب.
وقوله : ولكنهم اعتزموا على النصب في ذا كما اعتزموا عليه في قد.
يريد أن نصب العرب لما ينصبونه من : ربما سرت حتى أدخلها ، وكنت سرت أدخلها ، وغير ذلك ، لم يكن من أجل قبح القلب ، ولكن لأن كل ما يرفع بعد" حتى" يجوز فيه النصب على الغاية ؛ لأن ما بينهما متقارب في المعنى ، لأن" السير" ينقطع عند" الدخول" رفعت أو نصبت ؛ لأنهم ذهبوا به مذهب الغاية.
ويجوز في الرفع كما جاز بعد : " قد سرت" ، والنصب أيضا عنده جائز.
وقوله : " أن أسير" بمعنى" سرت إذا أردت" بأسير" معنى" سرت".
اعلم أن هذا إنما يستعمل إذا كان الفاعل قد عرف منه ذلك الفعل خلقا وطبعا ، وينكر منه في المضي والاستقبال. ولا يكون لفعل فعله مرة من الدهر ، من ذلك ما أنشد لبعض السلوليين :
* ولقد أمر على اللئيم يسبني |
|
فمضيت ثمة قلت : لا يعنيني (١) |
يريد : " ولقد مررت" ، ولم يرد أن ذلك كان منه مرة وأنه لا يعود إليه ، وإنما أراد أن ذلك كان منه سجية أبدا يصف في البيت أنه يكرم نفسه عن معارضة من سبه من اللئام برد الجواب عليه ، لأن ذلك مما يغض منه.
ومثل هذا قول حاتم :
* وأعرض عن شتم اللئيم تكرما
وقوله : فمضيت ثمة قلت : لا يعنيني أي : أنزلته منزلة من لم يعنيني بالسب فلم أجبه.
وقال الأخفش : ما سرت حتى أدخلها ، معنى الرفع فيه صحيح إلا أن العرب لم ترفع غير الواجب في باب" حتى" ، ألا ترى أنك لو قلت : " ما سرت فأدخلها" ، كان حسنا.
وغلط الأخفش ، وذلك أن الدخول في" حتى" إذا رفع إنما يقع بالسير ، فإذا نفى السير لم يكن دخول. وكأن الأخفش أراد أن" ما" تدخل على قولك : سرت حتى أدخلها بعد وجوب الرفع فتنفي جملة الكلام ، فلذلك رآه صحيحا في القياس ، وإن كانت العرب لا تتكلم به.
هذا باب ما يكون العمل فيه من اثنين
وذلك قولك : " سرت حتى يدخلها زيد" وكذلك : " سرت حتى يدخلها ثقلي".
__________________
(١) الأصمعيات ١٣٧ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٤١٦ ، الكامل ٣ / ٨٠ ، شرح السيرافي (٤ / ٣٢٩ ، ٣٣٤) ، الخصائص ٣ / ٣٣٠ ، دلائل الإعجاز ٢٠٦.