قد تقدم أن رفع الفعل بعد حتى بإيجاب ما قبله له وتأديته إليه ، فإذا قلت : (سرت حتى أدخلها) جاز أن يدخلها أيضا من يتبعك ومن يسير بسيرك من أجير وصاحب وثقل ونحو ذلك ؛ لأنك تؤدي بسيرك إلى دخولهم إذا ساروا معك كما تؤدي به إلى دخولك.
ومنع سيبويه جواز : " سرت حتى أدخلها وتطلع الشمس".
أما امتناع الرفع : فلأن السير لا يؤدي إلى الطلوع ، وأما امتناع النصب : فلأن" حتى" التي ترفع ما بعدها ليست هي التي تنصب الفعل ، فبطل إضمارها ، فإن أردت النصب ذكرت" حتى" قبل" تطلع" فجاز.
وأنشد لامرئ القيس :
* سريت بهم حتى تكلّ مطيّهم |
|
وحتى الجياد ما يقدن بأرسان (١) |
فنصب" تكل" ولو رفع لجاز ، ولكنه نصب ليريك جواز عطف" حتى" على" حتى" وهما مختلفان في النصب والرفع لأن الأولى :
نصبت" تكل" ، والثانية : بعدها مبتدأ وخبر ، ولو وقع موقع المبتدأ فعل لكان مرفوعا.
يصف أنه أطال السير بهم حتى كلت إبلهم وانقطعت خيلهم حتى لم تحتج إلى أن تقاد بأرسان.
ومثل هذا قول زهير :
حتى يؤوب بها عوجا معطلة (٢)
أي : قد عطلت من الأرسان وغيرها.
هذا باب الفاء
اعلم أن" الفاء" في الأصل في جميع أماكنها عاطفة ، وإن اختلفت معانيها ، وقد يتناول العامل الشيئين بإعراب واحد على وجهين مختلفين ، كقولك : " لو ترك زيد وعمرو لضربه" ، وكذلك : " لو ترك أخواك لظلم أحدهما الآخر" ، بلفظ" الترك" قد وقع عليهما وهما مختلفان ؛ لأن أحدهما ممنوع ، والآخر ممنوع منه.
والعطف" بالفاء" على وجهين : أحدهما : عطف ظاهر ، والآخر : عطف متأول.
فالعطف الظاهر : أن تدخل الثاني في إعراب الأول وفي معناه ، ويجوز مكان ذلك : ثم.
وأما العطف المتأول المحمول على المعنى : فهو أن يكون ما قبل" الفاء" غير موجب ، ويكون معلقا بما بعد" الفاء" شرطا على وجوه مختلفة أخرت إلى التغيير وإضمار أن لتدل على تلك الوجوه.
__________________
(١) ديوانه ١٦٥ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٤١٧ ، معاني القرآن ١ / ١٣٣ ، المقتضب ٢ / ٣٩ ، شرح النحاس ٢ / ٢٧٢.
(٢) شعر زهير ، صنعة الأعلم ٧٣.