فنصب في الواجب ، ويروى : " ليعصما" ولا ضرورة فيه على هذا. الهضبة : ما ارتفع من الأرض ، ضربها مثلا لعزة قومه ومنعتهم.
هذا باب الواو
اعلم أن الناصب بعد الواو (أن) كما أن الناصب بعد الفاء (أن) ، ومعناهما مختلف وإن كان الناصب فيهما واحدا.
ومعنى الواو في كل أحوال نصبها : الجمع بين الشيئين ، فإذا قلت" لا تضرب زيدا وتكرم عمرا" ، فمعناه : لا تجمع بين ضربك لزيد وإكرامك لعمرو ، ولو حملت تكرم على تضرب فجزمته لكنت قد نهيته عن ضرب زيد على حدة وإكرام عمرو على حدة ، وكل واحد منهما غير معلق بالآخر ، وكأنك قلت : " لا تضرب زيدا ولا تكرم عمرا".
ومنع سيبويه جزم الثاني في قولك : لا تأكل السمك وتشرب اللبن. لأن المقصود في كلام الناس والمعتاد أن لا يجمع بينهما للضرر الذي يعتقد في الجمع بينهما ، ولو أراد مريد أن ينهى عن الأكل والشرب على كل حال لقال : " لا تأكل السمك وتشرب اللبن".
وأنشد للأخطل :
* لا تنه عن خلق وتأتي مثله |
|
عار عليك إذا فعلت عظيم (١) |
معناه : لا تجمع بين نهيك عن الشيء وبين إتيانك إياه ، ولو جزمت" تأتي" لاستحال المعنى لأنه كان ينهاه أن ينهى عن شيء ، وينهاه عن أن يأتي شيئا من الأشياء. فلما كان هذا محالا ، رد الأول والثاني في التقدير إلى غير ظاهر الكلام ، ليدل على أنه يريد : لا تجمع بينهما.
وذكر عن الأصمعي أنه قال : لم أسمعه إلا وتأتي مثله مرفوع على القطع.
وهذا لا يصح ، إلا أن تكون الواو في معنى الحال كأنه قال : " لا تنه عن خلق وأنت تأتي مثله" ولو أدخلت الفاء هنا لأفسدت المعنى.
وكان التقدير : متى نهيت عن خلق أتيت مثله ، وهذا غير المقصود.
وأنشد لجرير :
* ولا تشتم المولى وتبلغ أذاته |
|
فإنك إن تفعل تسفه وتجهل |
وهذا محمول على الأول داخل في النهي كأنه قال : لا تشتم ولا تبلغ ، لو نصب فسد المعنى.
__________________
ـ السيرافي ٢ / ١٥٩ ، الرد على النحاة ١٢٦.
(١) ديوان أبي الأسود ١٣٠ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٤٢٤ ، المقتضب والمختلف ١٧٩ ، معجم الشعراء ٤١٠ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ١٨٨ ، فرحة الأديب ١٣٥ ، المقتصد ٢ / ١٠٧٦ ، مجمع الأمثال ٢ / ٢٣٨ ، الرد على النحاة ١٢٧ ، مغني اللبيب ١ / ٤٧٢ ، أوضح المسالك ٣ / ١٧٥.