كان قد دخل في الإرادة ، وإنما ينصب بحروف العطف ما يصح دخوله في معنى الأول كنحو ما ذكر سيبويه ، وما يصح دخوله في معنى الأول فقد يجوز أن يقطع عنه ويستأنف.
وأنشد في ذلك لبعض الحارثيين
* وما هو إلا أن أراها فجاءة |
|
فأبهت حتى لا أكاد أجيب (١) |
فرفع على معنى : فإذا أنا مبهوت ، ولو نصبه وحمله على" أن" لجاز.
وأنشد لابن أحمر :
* يعالج عاقرا أعيت عليه |
|
ليلقحها فينتجها حوارا (٢) |
قال سيبويه : " كأنه قال يعالج فإذا هو ينتجها".
والنصب الوجه ، ولم يذكره سيبويه. والرفع بعيد جدّا ، وذلك أن العاقر لا تلد ، ولا يكون لها نتاج ، فكيف يرفع وهو لا يخبر بكونه؟
وإنما يصف ابن أحمر رجلا من قومه يعالج أمرا في مكروه ابن أحمر ومساءته ، لا يتم ولا يكون ، وذلك الأمر هو العاقر ، والرجل يعالجها ليلقحها ولينتجها وذلك لا يكون ، كأنه يعالج هذه العاقر لتلد ، وهي لا تلد ، فلا يصلح في : ينتجها : إلا النصب.
وقبل هذا البيت :
أرانا لا يزال لنا حميم |
|
كداء البطن سلا أو صفارا (٣) |
يعالج عاقرا ... (البيت)
وكل واحد من وجهي الرفع لا يصح في ينتجها ، لأنك إن عطفته على" يعالج" لم يجز ، لأن العلاج للعاقر يكون ، ونتاجها لا يكون ، وإن جعلته مستأنفا بمعنى : " فهو ينتجها" ، لم يصح أيضا ، لأنها عاقر.
والرفع في : " لا يعدو أن يأتيك فيصنع ما تريد" حسن ، لأن : يعدو أن يأتيك. بمعنى : " يأتيك" ، فكأنه قال : يأتيك فيصنع ما تريد.
وقوله : " ما عدوت أن آتيك"
فيه وجهان : أحدهما : أن تريد : " ما عدوت في ما مضى أن آتيك في ما أستقبل ، ومعناه : رأيت في ما مضى أن آتيك في ما أستقبل وما تجاوزت في ما مضى اعتقاد إتيانك في ما أستقبل.
والوجه الآخر : " ما عدوت في ما مضي" ، و" تجعل آتيك في موضع أتيتك". وهذا معنى
__________________
(١) ديوان عروة ٢٨ ، ديوان كثير ٢٢ ، ديوان الأحوص ١١٣ ، ديوان مجنون ليلى ٥٩.
(٢) ديوانه ٧٣.
(٣) ديوان ابن أحمر ٧٣ ، شرح السيرافي ٤ / ٣٨٩.