قوله : " ويجوز أن تجعل أفعل في موضع فعلت وإنما جاز ذلك لأنك تقول : " كنت أتيتك" ، و" كنت آتيك" ، ومعناهما واحد. فإنما يجوز ذلك إذا تقدم قبله شيء قد مضى أو شيء فيه دلالة على المضي ، والفعل المستقبل مصاحب له كما تقول جاءني زيد أمس يضحك. ولا يجوز الماضي في موضع المستقبل مصاحب له ، كما تقول : جاءني زيد إلا في المجازاة ، ولو قلت : " يكون زيد قام" ، لم يجز كما جاز : " زيد يقوم" ، وإنما لم يجز : " ما أعدو أن أجالسك أمس" لأن قولك : " أعدو" مستقبل ، وإذا كان ابتداء الكلام مستقبلا
لم يجز أن يكون المستقبل بعده في معنى الماضي.
وأنشد في ما جاء منقطعا لعبد الرحمن ابن أم الحكم :
* على الحكم المأتي يوما إذا قضى |
|
قضيته أن لا يجور ويقصد (١) |
فرفع : و" يقصد" ، لأنه جعله بمنزلة : وينبغي له أن يقصد ـ فناب" يقصد" عن" ينبغي له أن يقصد" ، ومن أجل ذلك تضمن معنى الأمر ولم يحمل على" أن".
ومثله (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَ) [البقرة : ٢٣٣] أي : ينبغي لهن أن يرضعن.
ويكون في ذلك معنى الأمر ، وإن لم يكن لفظ الأمر كما يقول المولى لعبده : الواجب عليك أن تفعل ، أو" الذي أريده منك أن تخرج إلى السوق" ، ففي هذا : معنى الأمر له وإن لم يظهر لفظ الأمر.
هذا باب الجزاء
فرق سيبويه بين" حيثما" وبين" إذا ما" فجعل" حيثما" في جملة الظروف التي يجازى بها ، وجعل" إذ ما" في حيز الحروف.
والفرق بينهما أن" إذ" لما ضمت إليها" ما" وجوزي بها خرجت عن معناها لأنها كانت من قبل دخول" ما" عليها ـ لما مضى من الزمان وبعد دخولها للمستقبل ـ كإن.
وقد يركب الشيئان فيخرجان عن حكم كل واحد منهما إلى حكم مفرد نحو" هلا" و" لولا" وغيرهما. فجعلها سيبويه حرفا ، لوقوعها موقع" إن" ولم يقم دليل على اسميتها.
وقد قال بعض النحويين : إذ ما هي إن ما
وعدلوا عن" إما" إليها ، لأن" إما" لا تكاد تأتي إلا بدخول النون على الفعل الذي بعدها كقوله عز وجل : (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً) [الأنفال : ٥٧ ـ ٥٨] ولا تكاد تقع في القرآن إلا بالنون.
__________________
(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٤٣١ ، شرح النحاس ٢٨٣ ، شرح السيرافي ٤ / ٣٠٠ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ١٨٢.