" يدرسه" كناية عن المصدر ، كأنه قال : يدرس درسا وتعدى" يدرس" إلى القرآن باللام ، كما تقول لزيد اضرب. وإنما جاز هذا لأن الفعل بدل على المصدر ، والمصدر مما يتعدى باللام كثيرا فحمل الفعل عليه.
وأنشد لذي الرمة :
* وإني متى أشرف على الجانب الذي |
|
به أنت من بين الجوانب ناظر (١) |
فتقديره عند سيبويه : " إني ناظر متى أشرف". وعند أبي العباس على حذف الفاء.
وأنشد للفرزدق :
* دست رسولا بأن القوم إن قدروا |
|
عليك يشفوا صدرا ذات توغير |
فأولى" إن" الفعل الماضي ، وأتى بالجزاء مستقبلا فجزمه.
والتوغير : الحقد والغضب ، وهو مشتق من وغرت القدر إذا غليت.
واعلم أن" كيف" لا يجازي بها لعلتين : إحداهما : أنه لما كان أخواتها معارف ونكرات ـ نحو : " من" و" ما" و" أي" ـ وقصرت هي على أحد الأمرين ، فلم تقع إلا على النكرة خاصة لأنها سؤال عن الحال ، ضعفت على التصريف لها في المجازات.
والعلة الأخرى : أنه لما لم يخبر عنها ولا عاد إليها ضمير كما يكون ذلك في : " من" و" ما" و" أي" ، ضعفت عن تصريفها في مواضع نظائرها من المجازاة ، وجعلوا قولهم : على أي حال يغني عنها.
وأما كم فلم يجازوا بها لأن : " ما" و" من" يغنيان عنها ، لأنهما في المجازاة لقليل ما يقعان عليه وكثيره ، ألا ترى أنك إذا قلت : " ما تسر أسر" فمعناه : إن تسر قليلا أو كثيرا أسر مثله. وليس المتكلم بعالم كم يسير ، ولا هو بمستودع من المخاطب تعريفه مقدار سيره ، وإنما وضعت" كم" ليتعرف بها المتكلم مقدار ما يسأل عنه ليقف عليه.
وقوله : " إن تأتني لأفعلن فيه وجهان :
أحدهما : تقدير الفاء ، أي : إن تأتني فلأفعلن.
والآخر : على نية التقديم كأنه قال : لأفعلن إن تأتني. وكلاهما غير حسن إنما يجوز في الشعر. فإن قلت : " والله لئن أتيتني لأكرمنك" ، حسن ، لأن جواب اليمين يغني عن جواب الشرط ويبطل جزمه ، ويصير بمنزلة ما ذكر قبله ، كأنه قال : والله لأكرمنك إن أتيتني ، وإنما
__________________
(١) ديوانه ١ / ٢٤١ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٤٣٧ ، المقتضب ٢ / ٦٩ ، شرح النحاس ٢٨٧ ، شرح السيرافي ٤ / ٤٠٠ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٩٢.