قولك : " آتيك فأحدثك" ، لأن الخبر واجب أن تفعله على كل حال ، وجواب الشرط ليس بواجب أن تفعله إلا أن تريد الشرط ، وقد يوجد ولا يوجد ، فأشبه الاستفهام ونحوه وشبهه سيبويه بقولك : " أفعل إن شاء الله" لأن أفعل موضعه وأصله إخبار حقه الوفاء به ، وقوي بذلك النصب بعد جواز الشرط إذا كان تعليقه بالشرط يخرجه عن الأفعال المجردة.
هذا باب من الجزاء ينجزم فيه الفعل
إذا كان جوابا لأمر أو نهي أو استفهام أو عرض أو تمن
اعلم أن جواب هذه الأشياء ينجزم بإضمار شرط ، والدليل على ذلك أن الأفعال التي تظهر بعد هذه الأشياء إنما هي ضمانات يتضمنها الآمر والناهي والمستفهم والعارض بوقوع أفعال قبلها ، وليست بضمانات مطلقة ، إنما هي متعلقة بمعنى : إن كان ووجد ، وجب الضمان والعدة. وإن لم يوجد ، لم يجب. ألا ترى أنه إذا قال : " ائتني آتك" ، لم يلزم الآمر أن يأتي المأمور إلا بعد أن يأتيه المأمور ، فوجب أن يكون التقدير : ائتني إن تأتي آتك ، وهكذا التقدير في جميع ما يجزم جوابه من هذا الباب ، وإن كان لا يتكلم بهذا ، لأن لفظ الأمر والنهي وما أشبههما يغني عن ذكر الشرط بعده ويكفي منه.
وأنشد لجابر بن حني التغلبي :
* ألا تنتهي عنا ملوك وتتقي |
|
محارمنا لا يبوء الدم بالدم (١) |
هذا وإن كان لفظه لفظ الاستفهام ، فإن معناه معنى الأمر كأنه قال : لتنته عنا ملوك إن تنته عنا لا يبوء الدم بالدم. ومعنى لا يبوء الدم بالدم : لا يقتل واحد بآخر ، يريد أن الملوك إذا قتلوا منا قتلنا منهم ، ولو حمل هذا على حقيقة الاستفهام فسد المعنى على لفظ الجواب ، وحقيقة لفظ الاستفهام لأن" الألف" للاستفهام ، و" لا" للجحد ، فيكون الشرط المقدر بحرف الجحد ، فيصير التقدير : ألا تنته عنا لا يبوء ، وهذا ضد المعنى المراد. وإنما لم يجز : لا تدن منه يأكلك وهذا محال لأنه يصير تباعده سببا لأكله ، ولا يستقيم أن تضمر : " إن تدن منه" لأن" تدن" لا يدل على ذلك ولا فيه معناه كما كان في قوله :
إلا تنته ، معنى لتنته. فإن قلت : لا تدن من الأسد فيأكلك بالفاء والنصب جاز وحسن ، لأن الجواب بالفاء تقديره تقدير العطف كأنه قال : لا يكون دنو فأكل. وإن لم تدخل الفاء رفعت على الاستئناف ، أي : هو مما يأكلك فاحذره.
ومثله ما حكاه سيبويه عن بعض الأعراب : " لا تذهب به تغلب عليه" وقوله : " مره يحفرها".
__________________
(١) المفضليات ٥١١ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٤٥٠ ، شرح النحاس ٢٩٤ ، شرح السيرافي ٤ / ٤٥٧.