يجوز فيهما وجهان في ما ذكر :
أحدهما : على الابتداء والاستئناف كأنه قال : مره فإنه يحفرها ولا يخالف ألبتة.
والوجه الآخر : مره أن يحفرها ، فأسقط" أن" ورفع ، فتقديره على هذا تقدير اسم فاعل واقع موقع الحال كأنه ظهرت فيه أمارة التيه في حفرها ، والعزم عليه ، فصار كأنه حافر ، ومثله قوله عز وجل : (فَادْخُلُوها خالِدِينَ) [الزمر : ٧٣] أي : مقدرين الخلود.
وقول الله عز وجل (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) [الزمر : ٦٤] أصح ما يقال فيه ما ذكره سيبويه عن الخليل ، وهو : نصب" غير" بأعبد ، و" تأمروني" غير عامل كما تقول : هو يفعل ذلك بلغني ، أي : في ما بلغني قال سيبويه : وإن شئت كان بمنزلة :
* ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغي (١)
وهو ضعيف لأنه يؤدي إلى أن يقدر" أعبد" بمعنى : عابدا غير الله ، وفيه فساد لأن أعبد في تقدير أن أعبد ، ولو أظهرت ، لم يجز تقديم" غير" عليها ، لأنه في صلتها ، ولكن لما حذفت" أن" وناب الفعل مناب الحال المقدرة جاز التقديم على ضعف ، والذي عليه هو الوجه الأول.
وأنشد للراجز :
* متى أنام لا يؤرقني الكري
ويتصل بهذا :
ليلا ولا أسمع أجراس المطي (٢)
كان قائل هذا الشعر مكار يكري الإبل. والكري : المكترى منه ، ومتى استفهام. وفي يؤرقني وجهان :
أحدهما : أنه جزم جواب الاستفهام. وتقدير الشرط فيه : " إن أنم لا يؤرقني" كأنه لم يعد نومه نوما ، وجعل النوم هو الذي لا ينبهه منه الكرى.
والوجه الآخر : أن يؤرقني مرفوع تركت ضمته استثقالا كما قال :
* وقد بدا هنك من المئزر (٣)
__________________
(١) صدر بيت لطرفة بن العبد وعجزه (وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي) شرح المعلقات العشر ٤٦ ، شرح الأشعار الستة للأعلم ٢ / ٥٠ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٤٥٢ ، المقتضب (٢ / ٨٣ ، ١٣٤) مجالس ثعلب ١ / ٣١٧ ، معاني القرآن ٣ / ٢٦٥ ، شرح النحاس ٢٩٥ ، شرح السيرافي (٤ / ٤٦١ ، ٤٦٨ ، ٤٦٩) ، المسائل العسكرية ٢٠٢.
(٢) شرح السيرافي (٤ / ٤٥٧ ، ٤٦٥) والخصائص ١ / ٧٣ ، المنصف ٢ / ١٩١.
(٣) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٩٧ ، شرح السيرافي ٤ / ٤٦٥ ، المسائل البغداديات ٤٣١ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٩١ ، تفسير عيون الكتاب ٢١٠ ، الخصائص ١ / ٧٤ ، شرح المفصل ١ / ٣٨ ، الخزانة ٤ / ٤٨٤.