فهذا محمول على معناه.
وأنشد للأخطل :
* كروا إلى حرّتيكم تعمرونها |
|
كما تكر إلى أوطانها البقر (١) |
فجعل" تعمرونها" حالا من الضمير في" كروا" كأنه قال : كروا عامرين لهما ، وأجاز فيه القطع والابتداء. والحرة : الأرض ذات الحجارة السود ، ولا ينزلها إلا الضعيف الذليل يتحصن بها ، فلذلك أمرهم بالكر إليها والإقامة فيها.
هذا باب الحروف التي تنزل منزلة
الأمر والنهي لأن فيها معنى الأمر والنهي
وذلك قولك : " حسبك ينم الناس" ، وكذلك كفيك وشرعك ، ومثل ذلك : " اتقى الله امرؤ وخيرا يثب عليه".
اعلم أن" حسبك وكفيك" و" شرعك" : أسماء مبتدأة وأخبارها محذوفة لعلم المخاطب بها وذلك أنه لا يقال شيء من هذا إلا لمن كان في عمل قد بلغ منه الكفاية ، فيقال له هذا ليكف ويكتفي بما قد عمله منه ، فتقديره : حسبك هذا ونحوه ، وفيه معنى الأمر لأنه يراد : اكتف بما قد عملت ونحوه ، و" ينم الناس" : جواب لأن معناه معنى الأمر ، وإن كان مبتدأ ، وكذلك كفيك وشرعك ومعناهما حسبك.
وقوله : " اتقى الله امرؤ" ، وإن كان لفظه لفظ الخبر فمعناه الأمر ، لأن هذا يقوله الواعظ لمن يسمع كلامه وليس قصده أن يخبر عن إنسان أنه قد اتقى الله.
ومثله : " غفر الله لزيد ورحمه" ، لفظه لفظ الخبر ومعناه : الدعاء.
وقوله : " آتي الأمير لا يقطع اللص".
رفع" يقطع" لأن الذي قبله كلام موجب وإخبار مطلق ، ولو اضطر شاعر فجزم" يقطع" لجاز على معنى : إن آته لا يقطع اللص ، وقد اعتقد أن إتيانه إياه هو سبب لا يقطع اللص من أجله.
وأنشد لعمرو بن عمار الطائي :
* فقلت له صوّب ولا تجهدنّه |
|
فيدنك من أخرى القطاة فتزلق (٢) |
عطف" فيدنك" و" تزلق" على قوله : " ولا تجهدنه" ، ولو كان في غير الشعر لجاز
__________________
(١) ديوانه ١٠٨ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٤٥١ ، شرح السيرافي ٤ / ٤٦٠ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٨٧ ، شرح المفصل ٧ / ٥٠ ، حاشية الصبان ٣ / ٣٠٩.
(٢) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٤٥٢ ، معاني القرآن ٢ / ٢٢٩ ، المقتضب ٢ / ٢١ ، مجالس ثعلب ٢ / ٣٦٨ ، شرح النحاس ٢٩٦ ، شرح السيرافي ٤ / ٤٧٠ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٦٢.