هذا باب نفي الفعل
اعلم أن حق نفي الشيء وإيجابه أن يشتركا في مواقعهما ، وأن لا يكون بينهما فرق في أحكامهما إلا أن أحدهما إيجاب ، والآخر نفي ، وعلى هذا ساق سيبويه ما ذكره في الباب ، وقد فصل جميع ذلك.
هذا باب ما يضاف إلى الأفعال من الأسماء
ذكر سيبويه في هذا الباب أشياء تضاف إلى الأفعال ، فمنها قولهم : " ما رأيته مذ كان عندي"." فمذ" يحتمل أن يكون هاهنا اسما وحرفا ، فإن كان اسما ، فهو كإضافة الزمان إلى الأفعال.
و" مذ" من الزمان وإن كان حرفا ، فهو حرف جر مختص به الزمان ، وعمله في ما بعده كعمل الاسم المضاف ، فجاز إدخاله على الفعل إذا كان في معناه ، وعمله كزمان إلى فعل يتلوه.
وذكر إضافة" آية" إلى الفعل ، ومعناها : علامة ، ومنزلتها منزلة الوقت ، لأن أصل الوقت هو فعل وجد ، فجعل وقتا لفعل آخر في كونه معه أو كونه قبله أو بعده ، فإذا جعلت قيام زيد علامة لفعل يحدث بعده ، فقد صيرته كالتاريخ لما قبله ، وبعده ، ومعه. ألا ترى أن قائلا لو قال لآخر : " علامة خروجي أذان المؤذن" ، علم المخاطب بوجود الأذان وقت خروجه ، كما أنه إذا قال : " خروجي يوم الجمعة" ، علم خروجه بوجود يوم الجمعة.
وأنشد :
* بآية تقدمون الخيل شعثا |
|
كأن على سنابكها مداما (١) |
فأضاف آية إلى الفعل ، لأن معناها علامة من الزمان ، فأضيف إلى الفعل كما يضاف الزمان إليه. والشعث : المتغبرة من الجهد والمشقة والسنابك : أطراف الحوافر. وشبه ما تصبب من العرق عليها ـ ممتزجا بالدم ـ بالمدام ، وهي : الخمر.
وأنشد لزيد بن عمرو بن الصعق :
* ألا من مبلغ عني تميما |
|
بآية ما تحبون الطعاما (٢) |
فالشاهد في هذا ، إذا جعلت" ما" لغوا وليس بلازم ، جعلها لغوا ؛ لأنه يحتمل أن يجعل
__________________
(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٤٦٠ ، الكامل ٣ / ٤٠٨ ، شرح السيرافي (٤ / ٥١٠ ، ٥١٢) ، شرح المفصل ٤ / ١٨ ، مغني اللبيب ٢ / ٤٤٩ ، ٨٣٦ شرح شواهد المغني ٢ / ٨١١.
(٢) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٤٦٠ ، الكامل ١ / ١٧١ ، شرح السيرافي ٤ / ٥١٤ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ١٨٢ ، معجم الشعراء ٤٩٤ ، مجمع الأمثال ١ / ٣٩٤ ، مغني اللبيب (٢ / ٥٤٩ ، ٨٣٦) ، شرح شواهد المغني ٢ / ٨٣٦ ، الخزانة ٦ / ٥١٨.