والنصب : على تقدير الظرف ورفع" أن" بالابتداء ، ويكون التقدير : أفي زمن حق أنك ذاهب؟ ، ثم حذف" زمن" كما قيل : " سير عليه مقدم الحاج".
وذهب المبرد إلى أن الخليل رفع" أنك" بالظرف في هذا الموضع للضرورة كما ترفع بالظرف المضمر في قولك : " زيد في الدار وعمرو عندك" ورفع المضمر بالظرف صحيح ، وأما رفع الظاهر ، فليس بمذهب سيبويه والخليل. والذي دعا المبرد إلى حكاية هذا عن الخليل ، أنه لما ذكر : أفي حق أنك ذاهب؟ " ، قال عقيبه : " فصارت أن مبنية عليه كما يبني الرحيل على غد إذا قلت : غدا الرحيل".
وقد استعمل سيبويه لفظ البناء في الشيء الذي ليس بعامل في ما يبنى عليه كما قال : " أن" مبنية على" لولا" ، وإنما ذلك على جهة تقدمها وحاجة ما بعدها إليها.
وذكر سيبويه قولهم : " لا محالة أنك ذاهب" ، والظاهر من كلامه أن ـ " أن" في موضع خفض" بمن" المحذوفة وهو على القلب من خفض أن بعد حذف الخافض منها في الباب الذي ذكر فيه ذلك.
وقال المبرد : إذا قلت : " لا محالة أنك ذاهب" ، فإنه في موضع رفع بخبر
الابتداء كما تقول : " لا رجل أفضل من زيد" وكذلك : " لا بد أنك ذاهب". فإن قال قائل : " لا" الناصبة هي جواب" هل من؟ " ، فما المسألة التي جوابها" لا محالة" ، ولا بد؟ وما معنى ذلك؟ ومن أي شيء أخذ؟
قيل له : أما" لا محالة" فالمحالة والحيلة معناهما واحد ، وأصل المسألة : هل من محالة من كذا؟ وهل من حيلة؟ ومعناه : هل من محالة في تركه أو في التخلص منه.
فيقول المجيب : " لا محالة منه" أي في الخلاص.
وأما" بد" ، فأصلها : من مفارقة الشيء ، ومنه قيل : تبدد الشيء أي تفرق ، وقولهم : رجل أبد وامرأة بداء إذا تفرق ما بين فخذيه.
فإذا قال : " لا بد منه" ، فكأنه قال : لا مفارقة ولا تباعد منه.
وقال المبرد : معنى" بد" : موسع ، فإذا قلت : " لا بد أنك ذاهب" فكأنك قلت : " غير موسع عليك أنك ذاهب" ، وحقيقته : غير موسع عليك تركك الذهاب". وأصل هذا من المعنى الأول ؛ لأن تفرق ما بين الشيئين : سعة ما بينهما.
ومعنى قول سيبويه : " أما جهد رأيي فأنك ذاهب لأنك لم تضطر إلى أن تجعله ظرفا كما اضطررت في الأول.
يعني أنك مضطر قبل دخول" أما" أن تفتح" أن" إذا قلت : " جهد رأيي أنك ذاهب" فتجعل" أن" مبتدأ وما قبلها ظرفا لها كقولك : " خلفك زيد" ، لأنك إن كسرتها انقطع الظرف