في موضع حقّا ، فلا تدخل عليهما" في" كدخولها على" حقّا" ، لأنهما في الأصل فاعلان.
والوجه الآخر : أن يكون" شد" وعز فعلين ماضيين" كنعم" و" بئس" ووقوع" ما" بعدهما كوقوعها بعد" نعم" و" بئس" في قولك : نعما صنيعك وبئسما عملك. وتقديره : " نعم الصنيع صنيعك" ، و" بئس العمل عملك".
وقوله : " كما أنه لا يعلم ذلك فتجاوز الله عنه"
دخلت الفاء على" تجاوز" لأنه دعاء ، ودخولها عليه كدخولها في فعل الأمر إذا تقدم المفعول ، كقولك : " زيدا فاضرب" ، وإن شئت أسقطت الفاء ، و" ما" عند سيبويه : لغو ، ولا يجوز إسقاطها وإن كانت لغوا ؛ لأنهم أرادوا بزيادتها : الفرق بين مشتبهين ، فإذا أدخلوا" ما" على حرف التشبيه ، أرادوا : أن أحد الشيئين وجوده حق كما أن وجود الآخر حق ، وإن كان الشيئان في أنفسهما مختلفين ، كقولك : " زيد عندنا كما أن عمرا عندك" ، أي : هذا موجود صحيح كما أن هذا موجود صحيح.
وإن أردت تشبيه أحدهما بالآخر ، قلت : " زيد عندنا كأن عمرا عندنا" ، أي مشتبهان في كونهما عندنا ، وإن لم ترد أن هذا حق كما أن هذا حق.
وكان المبرد يجيز أن تكون" ما" مع كاف التشبيه لغوا ، وأن تكون مبنية معها.
وقد بين سيبويه الدلالة على أن" ما" لغو دون أن تبنى مع الكاف ولم يقم دليل على غير ذلك.
ومما احتج به على أنها لغو ، أن الشاعر إذا اضطر أسقطها ، وأنشد للنابغة الجعدي :
* قروم تسامى عند باب دفاعه |
|
كأن يؤخذ المرء الكريم فيقتلا (١) |
التقدير عنده : كما أنه يؤخذ ، فحذف" ما" وخفف" أن" وقد نسب سيبويه في هذا التقدير إلى السهو ؛ لأنه لم يشبه جملة بجملة لأن قوله : " دفاعه" اسم واحد وليس بجملة.
وقوله : " كأن يؤخذ" ليس من الأسماء الواضحة الوجود ، فشبه به تحقيق وجود شيء آخر ، وإنما يصف النابغة خصومة جرت بين رجل من عشيرته يناظر عنها ، وبين خصوم له من قبائل أخر ، بحضرة ملك ، وأن ذلك الملك كان ميله على عشيرته ، وأن المناظر عنهم ثبت لهم في المناظرة ومعنى قوله" دفاعه" : أي : دفاع الباب هو رده وحجبه لمن يريد الدخول وطرده ، وهو مثل القتل في شدته ، لأنه إذلال للمطرود والمحجوب.
وقال المازني : " أنا لا أنشده إلا : (كأن يؤخذ المرء الكريم فيقتلا) لأنها" أن" التي تنصب الأفعال ، دخلت عليها كاف التشبيه".
__________________
(١) ديوانه ١٣١ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٤٧٠ ، شرح السيرافي ٤ / ٥٥٠ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ١٥٨ المسائل البغداديات ٣٣٤.